علم فلك

النجوم هي الوجود

النجوم

جميع عناصر جسدك أتت من النجوم، وجميع العناصر الموجودة على الكرة الأرضية أتت من النجوم. وكل ما تراه أمامك وكل ما ستراه في حياتك هي مواد وعناصر تشكلت بسبب انفجارات النجوم. تخيل أن بعض عناصر الكربون في يدك هي نفسها العناصر التي كانت قد شكلت عظماء التاريخ ونفس العناصر التي شكلت الديناصورات قبل ٦٥ مليون سنة ونفس العناصر التي ستشكل كائنات أخرى بعد ألاف السنين من مماتك. العناصر في وجهك نفسها شكلت البحار والمحيطات والبراكين. أنت تنمو من خلال استقلاب الطاقة وثم تحويلها إلى العناصر في بناء جسدك. ثم تموت لتعيد هذه العناصر إلى النظام البيئي ليتم استخدامها بأشكال مختلفة. نعم، الأرض عبارة عن نظام كيميائي مغلق يعيد تكرار عناصره بشكل مستمر وبصورة مختلفة.

جزيئات الماء الموجودة على الأرض هي نفسها دائماً، جزيئات الكربون على الأرض هي نفسها دائماً، جزيئات الأوكسجين هي نفسها دائماً.

سنذهب برحلة صغير حول النجوم ونكتشف مطابخ الوجود ومن أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون كن يقظاً فربما صادفنا بعض الثقوب السوداء أو ظواهر غريبة أخرى في طريقنا…

ما هي النجوم ومن ماذا تتشكل وكيف تتطور؟

في مقال سابق قمت في تلخيص نظرية الانفجار العظيم وسردت مراحل تكون المادة (مقال الذرة). أود الانطلاق من نقطة تشكل ذرات الهيدروجين. إذاً لدينا كون مليء بالمكان ومادة الهيدروجين على شكل بلازما (بروتونات منفصلة عن الإلكترونات). مع مرور الوقت بدأت حرارة الكون بالانخفاض وبدأت الجاذبية بجذب الذرات نحو بعضها البعض وارتبطت البروتونات مع الإلكترونات لتشكل أبسط أنواع الذرات.

ذرة الهيدروجين هي من أبسط وأخف الذرات الموجودة في الكون إذ أنها تتألف من بروتون واحد وإلكترون واحد. نحن نصنف العناصر الذرية من خلال عدد البروتونات الموجودة في نواة ذرتها فمثلاً الهيدروجين رقمه ١ بسبب وجود بروتون واحد في النواة والأوكسيجين رقمه ٨ بسبب وجود ٨ بروتونات في نواته والكربون رقمه ٦ والهيليوم رقمه ٢ وهكذا.

حسناً لنبدأ….

مع الوقت وبسبب الجاذبية تتجمع ذرات الهيدروجين وتبدأ هذه الذرات بالتكتل مع بعضها البعض. أنا طبعاً أتحدث عن تريليونات التريليونات من التريليونات من الذرات. هذه الذرات الهيدروجينية تبدأ تنضغط أكثر فأكثر على نفسها مما يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارتها واقتراب نواتها من بعضها البعض. انضغاط نواة الذرات مع بعضها البعض يصل لمرحلة وبسبب خاصية النفق الكمي تبدأ هذه الذرات بالاندماج بسبب تأثير القوة النووية القوية. القوة النووية القوية مسؤولة عن تماسك نواة الذرة بشكل عام ولكن في حال دخلت نواة ذرة أخرى ضمن مجالها فهي تدمج النواتين ليشكلا نواة جديدة. هذه الظاهرة اسمها الاندماج النووي.  بسبب ضغط الجاذبية العظيم على الذرات تبدأ بالتداخل فيما بينها وتبدأ عملية دمج الذرات في حالة الهيدروجين يتوجب ارتفاع درجة الحرارة إلى ١٣ مليون درجة كالفين. هذه هي درجة الحرارة اللازمة لاندماج الهيدروجين نووياً. شمسنا هي نجم في هذه المرحلة حيث أن درجة حرارتها كافية لدمج الهيدروجين وإنتاج الهيليوم. كلما زادت درجات الحرارة كلما انصهرت الذرات ونتج لدينا ذرات أثقل مما يزيد ضغط الجاذبية مما يزيد من ارتفاع الحرارة وهكذا تستمر عملية الاندماج النووي إلى أن نصل لمرحلة الحديد ٥٦ (٥٦ بروتون). والتي بعدها تتوقف عملية الاندماج وينفجر النجم.

أنواع النجوم من الأصغر إلى الأكبر:

حسناً لنعود للبداية، الحد الأدنى لتشكل النجم هو تجمع كمية كافية من الهيدروجين. هذه الكمية تقدر ب ١٣ ضعف كتلة كوكب المشتري.
هذا يعني أن أي جسم غازي لديه كمية من الهيدروجين تفوق ١٣ ضعف كتلة كوكب المشتري سيتحول إلى نجم وإن  كانت أقل يبقى كوكباً غازي.

القزم البني:

لنتخيل أننا نستطيع التحكم بالمادة ونستطيع ضخ الهيدروجين إلى كوكب المشتري. على فرض أننا زدنا ١٣ ضعف الكتلة الحالية للمشتري من الهيدروجين، سنلاحظ أولاً أن الجاذبية ستبدأ في ضغط كتلة الكوكب شيئاً فشيء. بعد فترة من الزمن وبسبب ارتفاع درجات الحرارة بسبب ضغط الجاذبية ستنضغط بروتونات الهيدروجين لدرجة أنها تقترب من بعضها على المستوى الذري فتتداخل هذه الذرات ضمن نطاق القوة النووية القوية لبعضها البعض.

هذا التقارب في البروتونات يجعلها تندمج مع بعضها لتشكل ذرات جديدة ولكن هذه العملية محكومة بعدة عوامل تتعلق بدرجات الحرارة وكمية الهيدروجين اللازمة لإتمام عمليات الاندماج النووي. إذا كانت درجة الحرارة المتشكلة تتجاوز ال١٣ مليون درجة كالفين عندها ستبدأ ذرات الهيدروجين بالاندماج عن طريق دمج البروتونات مع بعضها البعض. في هذه المرحلة أصبح لدينا نجم صغير لكن لا مستقبل له بسبب عدم وجود كمية كافية من الهيدروجين لرفع درجة حرارته نحو المراحل القادمة من الاندماج النووي ويبقى القزم البني على هذه الحالة. مرحلة القزم البني في النجوم تعُتبر أن النجم قد فشل في دمج الهيدروجين للمراحل القادمة (يبقى ضمن مرحلة نظير الهيدروجين ديوتيريوم deuterium) وبالتالي لن يتطور النجم من قزم بني إلى قزم أحمر. إذا الحد الأدنى لتشكل القزم البني هو كمية من الهيدروجين تعادل ١٣ ضعف كتلة كوكب المشتري والحجم الأقصى هي كمية من الهيدروجين تعادل ٨٠ ضعف كتلة كوكب المشتري. هذا يعني أننا على فرض أضفنا للكوكب الغازي كمية أكبر من ٨٠ ضعف كتلة كوكب المشتري من الهيدروجين فربما سيكون لهذا النجم مستقبل في التطور من قزم بني إلى قزم أحمر. وهذا ما سنفعله في المرحلة القادمة.

BrownDwarfComparison-pia12462

القزم الأحمر:

لنعود بمركبتنا نحو المشتري وندرس ماذا يجب علينا فعله لتحويله إلى قزم أحمر. أولاً علينا حساب الكمية اللازمة من الهيدروجين لكي ننجح في تطويره إلى قزم أحمر. الكمية اللازمة من الهيدروجين لتفعيل الانصهار النووي هي بين ٨٠ إلى ٦٠٠ ضعف كوكب المشتري. أيضاً مازلنا بحاجة حرارة بدرجة ١٣ مليون كالفين. أريد توضيح نقطة هامة وهي أن الاندماج النووي لا يُفقد المادة من كتلتها وإنما على العكس يجعلها أثقل حيث أن العملية تدمج نواتين مع بعضهما. صحيح أن الذرتين تفقدان بعض كتلتهما على شكل طاقة لكن مجملاً الكتلة تصبح أثقل مع الوقت. في حال النجوم نعم مجمل مجموع الطاقة في النجم ينقص (القانون الثاني من الديناميكية الحرارية) لكن ماهية المادة تتحول من كتلة خفيفة إلى كتلة أثقل.

حسناً لنبدأ العملية ولنراقب ماذا سيحدث. بعد أن أضفنا ٢٠٠ ضعف كتلة المشتري من الهيدروجين بدأت الجاذبية بضغط الذرات على بعضها البعض. من المفيد أن نتذكر أن نواة الهيدروجين تتألف من بروتون وحيد وما أن بدأت هذه البروتونات في الاندماج مع بعضها البعض تنشأ لدينا مادة جديدة تتألف من ذرات الهيدروجين المندمجة نسميها الهيدروجين الثقيل “deuterium” والتي تتألف من البروتون الأصلي بالإضافة إلى نيوترون جديد تشكل بسبب الاندماج.. طبعاً نحن أضفنا كمية كافية لاستمرار العملية (٢٠٠ ضعف المشتري).

ملاحظة: أنا لا أتطرق للإلكترونات في سياق المقال في هذه المرحلة لكن لاحقاً سأتطرق لها حين نتكلم عن انهيار النجوم.

بسبب تأثير الجاذبية المتشكلة من ٢٠٠ ضعف المشتري و الحرارة الناتجة عنها و مع مرور الوقت بدأت ذرات الديوتيريوم أو الهيدرجين الثقيل بالانضغاط أكثر فأكثر مع ذرات الهيدروجين العادية و بدأت تندمج نواة ذرة الهيدروجين العادي (بروتون وحيد) مع الهيدروجين الثقيل (بروتون و نيوترون) فينشأ لدينا مادة جديدة اسمها التريتيوم. التريتيوم هي أيضاً ذرات هيدروجين ثقيل لكن نواتها تتألف من بروتون ونيوترونين اثنين.

بسبب كتلة التريتيوم الثقيلة مقارنة مع الهيدروجين العادي تبدأ هذه الذرات بالتشكل في لب النجم بحيث تشكل نواة النجم (بسبب أن الجاذبية تضغط الذرات الأثقل أولاً). الآن أصبح لدينا ثلاث طبقات داخل النجم وهذه الطبقات تتألف من الهيدروجين على السطح (بسبب أنها أخف الذرات) ثم الديوتيريوم (لأنها أثقل من الهيدروجين العادي) وثم  التريتيوم في النواة (لأنها الأثقل من الإثنين). وجود هذه الذرات الثقيلة في النجم يؤدي إلى ارتفاع الحرارة بشكل أكبر وأسرع حيث تبدأ عملية اندماج بين جميع هذه الذرات وتبدأ ذرات جديدة بالتشكل وهي الهيليوم.

تركيب نواة الهيليوم الذرية هي عبارة عن بروتونيتين و نيوترونين. أصبح واضح من أين أتت هذه البروتونات والنيوترونات. هي أتت من اندماج هيدروجين عادى (١ بروتون) مع التريتيوم (١ بروتون و٢ نيوترون) = هيليوم ٢ بروتون ٢ نيوترون. يجدر الذكر الآن أن القزم البني بقي بني لأنه لم يستطع صهر الديتيريوم وبقي في تلك المرحلة، بينما القزم الأحمر وبسبب كتلته الأكبر استطاع من دمج جميع ذرات الهيدروجين وتحويلها إلى هيليوم.

Protium_deuterium_tritium

في هذه المرحلة نسمي النجم قزم أحمر في مرحلة النسق الأساسي:

النسق الأساسي هي مرحلة الاندماج النووي بين الهيدروجين لتشكيل الهيليوم. مرحلة النسق الأساسي هي الحالة الأكثر انتشار في الكون.

عندما يصل النجم لمرحلة النسق الأساسي يستقر بها الاندماج النووي في النواة ويستمر انتاج الهيليوم لفترات طويلة. هذا الاستقرار يعني أن العملية ممكن أن تسمر عشرات مليارات السنين حتى يصهر النجم كافة الهيدروجين ويتحول إلى قزم أبيض.
بسبب قصر عمر الكون نسبياً (١٣,٨ مليار سنة) مقارنة مع عمر الأقزام الحمر فنحن لم نرصد حتى الأن قزم أحمر تحول إلى مرحلة القزم الأبيض.

الأقزام الحمر هي الأكثر انتشار في مجرتنا “مجرة درب التبانة”. أقرب قزم أحمر للكرة الأرضية هو نجم “برويسيكما سنطوري” أو Proxima Centauri والذي يبعد عن الأرض ٤,٢ سنة ضوئية. أعرف أنني طرحت اسم القزم الأبيض لكن لا تخشى شيء سنعود ونغطي هذا النوع من النجوم قريباً. بشكل عام القزم الأبيض أو الأسود هي مرحلة موت النجم وتوقف الاندماج النووي في داخله. لنعود نحو كوكب المشتري ولنرى كيف نستطيع تحويله إلى نجم شبيه بالشمس. سأحاول أن أترك خيالك يقود هذه المرحلة قليلاً… نجم الشمس هو نجم من الأقزام البرتقالية أي أنه شبيه بالقزم الأحمر لكن بدرجات حرارة أعلى بقليل. هو نجم ضمن النسق الأساسي وكتلته أكبر من كتلة المشتري بألف مرة. يعني نضخ المشتري بالهيدروجين بما يعادل ١٠٠٠ مرة من كتلته الهيدروجينية ونراقب هذا النجم الجديد يتطور ضمن مراحل قزم بني إلى قزم أحمر ثم قزم برتقالي ويبقى في مرحلة النسق الأساسي لمدة ١٠ مليار سنة تقريباً.

يجدر الذكر أن درجة الحرارة لا تتجاوز ١٦ مليون كالفين. (الحرارة سيصبح لها أهمية كبيرة في المراحل المقبلة) ملاحظة الهيدروجين الثقيل (الديوتيريوم و التريتيوم) نادر في الكون لأن أغلب الكمية المنتجة داخل النجم تتحول إلى هيليوم و أغلب الكميات التي نرصدها اليوم هي نتيجة الانفجار العظيم و ليس النجوم. اذاً نجم الشمس هو قزم برتقالي في مرحلة النسق الأساسي حيث يدمج الهيدروجين نووياً لكنه غير قادر على دمج الهيليوم. في المستقبل عندما ينفذ الهيدروجين من الشمس تبدأ مرحلة دمج الهيليوم أو ما نسميه عملاق أحمر. في مرحلة العملاق الأحمر ستكون مساحة الشمس كبيرة لدرجة أن كوكب الأرض سيصبح داخل الشمس

ملاحظة: كالفين هي وحدة قياس علمية تبدأ من الصفر الحقيقي للحرارة

أود أن أشارك بهذه المعلومة الجانبية حول المدة الزمنية التي تستغرقها الفوتونات لتنتقل من نواة الشمس نحو السطح. تستغرق رحلة الفوتونات الضوئية من نواة الشمس إلى السطح حوالي مليون سنة وذلك بسبب الكثافة الهائلة داخل النواة مما يجعل الفوتونات الضوئية ترتطم مع بقية الجسيمات الموجودة بداخلها. ما أن تصل هذه الفوتونات إلى السطح تنتقل برحلتها ضمن الفضاء ونستغرق حوالي ٨ دقائق و٢٠ ثانية للوصول إلى كوكب الأرض. هذا يعني أن الفوتونات التي تصلنا اليوم انصهرت قبل مليون سنة في نواة الشمس.

LowerMS

الهيليوم وثم الكربون والأوكسجين:

لنعود لنجمنا… إذاً أصبح لدينا نجم ذو كتلة ثقيلة تتألف نواته من الهيليوم وسطحه من الهيدروجين (الكتلة الأثقل تتجه إلى النواة دائماً). لكنه بسبب كثافته الضئيلة (١٠٠٠ صعف المشتري) غير قادر على دمج الهيليوم. مع الوقت وبسبب ازدياد كثافة ذرات الهيليوم في النواة تبدأ درجات حرارة النجم بالارتفاع أكثر فأكثر. إذا بقية عملية الاندماج على حالها دون ارتفاع في درجات الحرارة يبقى النجم ضمن مرحلة النسق الأساسي مثل نجم الشمس على سبيل المثال. بينما إذا كانت كتلة النجم كبيرة لدرجة يتكون كميات كبيرة من الهيليوم (بروتونيتين ونيوترونين) فإن الجاذبية لن ترحم وستبدأ بضغط الذرات على بعضها أكثر فأكثر. الفرق أننا الآن نتحدث عن ذرات أثقل من الهيدروجين ولهذا فإن درجات الحرارة ترتفع بشكل أسرع. إذا وصلت درجة الحرارة إلى ١٠٠ مليون كالفين فنحن بصدد نوع جديد من النجوم. نحن الأن أمام عملاق أحمر.

العملاق الأحمر:

نحن وصلنا بالرحلة إلى نجم المشمس ولكن في هذه المرحلة علينا مغادرة المجموعة الشمسية لنستطيع تنفيذ التجربة القادمة وإلا سنبخر كوكب الأرض لأن قطر النجم العملاق الأحمر يقع على مسافة أكبر من المسافة بين شمسنا وكوكب الأرض. نحن نتكلم عن نجم عملاق بكل المقاييس الحرارة، الكتل، والتفاعلات النووية.

في نواة النجم سنجد الهليوم وفوقه الهيدروجين الثقيل وفوقه الهيدروجين. مع ارتفاع درجات الحرارة سنجد أن الهيدروجين والهيدرجين الثقيل يبدأن بالاندماج لتشكيل المزيد من الهيليوم. بينما الهيليوم المتواجد في النواة يتعرض لتأثير جاذبية جبار بحيث تصل درجة حرارته إلى ١٠٠ مليون كالفين والذي يبدأ عملية الاندماج النووي من الهيليوم إلى مجموعة من العناصر أهمها الكربون والأوكسيجين. في هذه المرحلة سيصبح حجم كتلة النجم أكبر من شمسنا الحالية على الأقل ب ٩ مرات (٩٠٠٠ صعف المشتري). إذاً ضمن هذا النجم يوجد لدينا مستوين من الاندماج النووي. على مستوى القشرة يندمج الهيدروجين مع الهيدروجين الثقيل ليشكل الهيليوم وعلى مستوى النواة يندمج الهيليوم ويشكل العناصر التالية: الليثيوم، بريليوم، بورون، كربون، نيتروجين، أوكسجين ولكن أغلب الكمية تتألف من الكربون والأوكسيجين.

تستمر هذه العملية إلى أن تصل درجة حرارة النجم إلى ٦٠٠ مليون كالفين حينها تندمج جميع هذه العناصر وتصبح نواة النجم تتألف من الكربون والأوكسيجين.

بعدها تستمر عملية الاندماج النووي وينتج المزيد من الذرات من بينها السيليكون والنيون والمغنيزيوم والكالسيوم والتيتانيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكبريت والألمنيوم. حتى نصل لمادة الحديد. الحديد ذو له ٢٦ بروتون و٣٠ نيوترون أو Fe 56 لا يندمج نووياً. لن أدخل بأسباب عدم اندماج الحديد لكن من المهم تذكر أن الحديد ٥٦ لا يندمج نووياً لأن دمجه يحتاج طاقة أكبر من طاقة النجم ولن يساهم دمجه بضغط الذرات داخل النجم. لهذا يعتبر الحديد بمثابة المرحلة النهائية في عملية الاندماج النووي النجمي.

redgiant

في هذه المرحلة يوجد عدة سيناريوهات ممكن أن تحدث:

إما أن يستمر الانصهار والاندماج وترتفع درجات الحرارة حتى الوصول إلى مرحلة الحديد ثم الانفجار على شكل مستعر أعظم سوبر نوفا. أو الاستمرار بالانصهار والاندماج حتى نفاذ الوقود دون الانفجار والتحول إلى مرحلة القزم الأبيض حيث يتوقف الاندماج النووي وتبقى العناصر والذرات كما هي ثم تبرد أكثر للتحول إلى قزم أسود أو تنفجر. والسناريو الثالث وهو أن تكون كتلة النجم هائلة لدرجة تتغلب الجاذبية فيه فتصبح القوة النووية للنجم غير قادرة على مقاومة الجاذبية فينهار النجم على نفسه ويتحول إلى ثقب أسود.

السناريو الأول: الانفجار النجمي Super Nova

قبل الدخول بمرحلة الانفجار أود أن أتحدث قليلاً عن الذرة ومكونتها لكي أستطيع توصيف ماهية الانفجار النجمي. الذرة تتألف من قسمين مهمين هما النواة والتي تتألف من البروتون والنيوترون وهالة خارجية تتألف من الإلكترونات. النواة يوجد فيها شحنة كهربائية موجبة بسبب البروتون والإلكترونات لديها شحنة سالبة. لهذا السبب الإلكترون والنواة ينجذبان نحو بعضهما فلا تبتعد الإلكترونات عن النواة. الالكترونات التي المتواجدة حول النواة تتخذ مدارها بناء على كمية محددة من الطاقة ولا يمكنها تبديل مستوى المدار إلا من خلال اكتساب أو خسارة الكتروناتها للطاقة.
عندما نضغط الذرات على بعضها نحن عملياً نجبر الإلكترونات على التنافر مع إلكترونات الجسم الذي يضغط عليها لأن كلهما سلبي الشحنة (القوة الكهرومغناطيسية). قانون الفيزياء الكمية لا يسمح لأكثر من جسيم (فرميون) بالتواجد بنفس المكان وهذه الخاصية مهمة جداً في فهم انفجار السوبر نوفا.

الأن لنعود للنجوم…

عندما وصلنا لمرحلة الحديد والنيكل ٥٦ في النواة وتوقفت عملية الاندماج هذا يعني أن الذرات لم يعد لديها مكان تنضغط إليه. لقد استنفذت كل المساحات الممكن أن تنضغط بها النواة وأصبحت الآن الإلكترونات تشارك بعضها نفس المدرات وفي بعض الأحيان نفس المكان، وبسبب ضغط الجاذبية الهائل تبدأ الإلكترونات بمقاومة الوصول إلى نواة الذرة.

مع الوقت وبسبب الضغط الهائل تبدأ هذه الإلكترونات بفقدان القدرة على المقاومة وبسبب الكتلة الهائلة للنجم وضغط الجاذبية تبدأ الإلكترونات بالدخول إلى النواة مما يسبب ظهور جسيمات ذو طاقة هائلة اسمها النيوترينو والتي تنتج من تحول البروتونات الموجودة داخل نواة الذرة إلى نيوترونات مما يعني أن طاقة النواة أصبحت بمجملها ذو شحنة غير مستقرة. أصبحت النواة عبارة عن نواة كبيرة من النيوترونات. هذه الطاقة الهائلة تسبب انفجار هائل للنجم نسميه السوبر نوفا. انطلاق النيوترينو من نواة النجم قبل انفجاره يعطينا القدرة على رصد حدوث الانفجار قبل وصول ضوئه إلينا. وصول كميات كبيرة من النيوتريو من مصدر فضائي ما يعني أنه ربما سنشهد انفجار مستعر أعظم بعد فترة زمنية قصيرة. هكذا تعمل مراصد السوبر نوفا في البحث عن الانفجارات قبل وصول ضوئها إلينا. بهذه المرحلة ينفجر النجم وتنتشر أحشائه من جميع الذرات التي قد تشكلت أثناء مراحل حياته بالفضاء. كل ما تراه من حولك من أحياء ومعادن وعناصر في الطبيعة أتت من هذه الانفجارات. نحن أتينا من أحشاء هذه النجوم. ذرات الكربون في جسدي أتت من انفجار نجم ما في هذا الكون. حتماً ليس نجم الشمس لأن الشمس هي نجم نسق أساسي أي هيدروجين إلى هيليوم فقط.

يقول العالم كارل سيغان “نحن غبار النجوم” ويقول العالم ستيفن هوكنغ “أننا نستعير ذراتنا من الكون لفترة وجيزة لنعيدها إلى الكون لتكمل رحلتها لتشكل عوالم وأشياء جديدة”. يجدر الذكر أنه في حال كانت قدرة الإلكترونات على المقاومة قوية بما فيه الكفاية ولم تستطع الجاذبية على ضغطها إلى داخل النواة سيتحول النجم إلى قزم أبيض يتألف من جميع هذه العناصر التي في داخله ومع الوقت ومع انخفاض درجات حرارته يتحول إلى قزم أسود أو نجم نيوترينو. ربما نعود إلى القزم الأبيض ضمن سياق المقال إن أمكن لأن مصير القزم الأبيض هو مصير مثير أيضاً في بعض الأحيان.

ليس من السهل رصد السوبر نوفا بسبب أنها لا تحدث طوال الوقت ولكن عندما يرصدها الفلكيون يُستخدم وهجها كمقياس للضياء في الكون. لأننا نعرف كل التفاصيل الدقيقة التي تؤدي لانفجار السوبر نوفا نستطيع استخدام هذه البيانات في تحديد وقياس وهج ضياء النجوم المجاورة لها ولقياس المسافات وماهية النجوم.  أيضاً عن طريق قياس تردد الضوء الناتج عن السوبر نوفا استطاع الباحثون اثبات توسع الكون وتقدير نسبة التوسع أو ما نسميه Hubble Constant أو قانون هابل.

جميعنا يذكر نظرية أينشتاين الشهيرة e=mc2 والتي تنص أن الطاقة والمادة هما وجهان لعملة واحدة. تخيل معي كمية المادة الناتجة عن كل سوبر نوفا والتي تشكل كل ما تراه من حولك. كمية الطاقة الناتجة عن انفجار السوبر نوفا هي كمية لا يمكن وصفها بالكلمات وأفضل ما يمكنني مقاربته هو أن نتخيل السوبر نوفا في لحظة الانفجار وهي تطلق طاقة تساوي كل طاقة الشمس في كل حياتها (١٠ مليار سنة) وتطلق ضوء أشد ضياء من جميع نجوم مجرة درب التبانة مجموعين سويةً. كما أن المادة التي تنتشر بسبب انفجار السوبر نوفا تنتقل بسرعة ١٠٪ من سرعة الضوء (٣٠ ألف كيلومتر في الثانية أو ما يعادل دورة كاملة حول الأرض في ثانية واحدة) والتي تعتبر سرعة هائلة لمواد ذو كتلة عالية.

بالمناسبة أنا ذكرت أن العناصر التي تتشكل ضمن النجوم تتوقف عند الحديد بسبب عدم امكانية اندماج الحديد نووياً ولم أذكر من أين تأتي بقية العناصر الأثقل من الحديد. في الواقع بقية العناصر الثقيلة تتشكل أثناء انفجار السوبر نوفا وفقط أثناء هذا الانفجار بسبب الطاقة الهائلة الناتجة عن الانفجار.

إذاً الانصهار والاندماج الناتج عن الانفجار تشكل مواد أثقل من الحديد لتنتشر في الفضاء مع بقية المواد التي نجدها في الطبيعة. في المرة القادمة حين تنظر لشيء مصنوع من الذهب تذكر أن هذا الذهب لا يمكن أن يتشكل إلا داخل انفجار سوبر نوفا. عندما تشرب الحليب لأنك تبحث عن الكلس تذكر أن هذا الكلس تشكل في النجوم ووصل إليك بسبب السوبر نوفا أو عندما تستنشق الأوكسيجين فأنت تستنشق ذرتين أوكسجين مع العديد من ذرات النيتروجين التي تشكلت في سوبر نوفا وأخيراً عندما تموت فعلم أنك ترد الدين الذي أقرضه إياك الكون لتستخدم هذه العناصر لكي تتعرف عليه وتكتشف أسراره. حسناً لنعود لموضوعنا، بشكل عام النجوم التي تكون كتلتها أكبر من الشمس ب ٩ مرات على الأقل و٢٠ مرة كحد أقصى تتحول إلى سوبر نوفا، ولكن لماذا يوجد حد أقصى؟ هذا ما سنتعرف عليه في المحطة القادمة.

scientificamerican0612-44-I4

السيناريو الثاني الثقوب السوداء أو نجوم نيوترونيه:

أنا ذكرت في بداية فقرة السوبر نوفا أن تأثير الجاذبية يبدأ بالضغط على الإلكترونات مجبراً أيها على الدخول داخل النواة وأن من انعكاسات هذه العملية تحول البروتونات إلى نيوترونات وبالتالي انفجار النجم. في بعض الحالات تكون كتلة النجم هائلة لدرجة لا تستطع الإلكترونات مقاومة الضغط ويبدأ النجم بالانهيار. ينهار النجم وحتى الانفجار الحاصل لا يستطيع صد الجاذبية فيتشكل لدينا نجم منهار أو ما نسميه ثقب أسود.

أما في بعض الحالات الأخرى تكون قوة دفع النيوترونات المتواجدة في النواة قوية لدرجة تستطيع إيقاف الجاذبية ولكن بعد أن تكون الجاذبية قد ضغطت الكتلة بشكل هائل. مثلاً، تخيل نجم بحجم الشمس مضغوط بحجم مدينة دمشق. في هذه الحالة يتشكل لدينا ما نسميه نجم نيوتروني والذي يتميز بحقل كهرومغناطيسي هائل وحرارة هائلة بسبب الضغط الذي يتعرض له النجم. كما يتميز هذا النوع من النجوم أنها تدور حول نفسها بسرعات هائلة (٤٣٠٠٠) دورة في الدقيقة وبسبب الحقل الكهرومغناطيسي المحيط بالنجم يبدأ النجم بإرسال نبضات كهرومغناطيسية في الفضاء بسرعات منتظمة. في أول مرة تم رصد نجم نيوتروني ظن العلماء أنهم رصدوا اشارات تواصل مع عوالم أخرى بسبب انتظام الإشارة إلا أنهم استطاعوا اكتشاف اللغز لاحقاً.

لنعود للثقوب السوداء….

كما ذكرت سابقاً أن الثقوب السوداء هي عبارة عن نجوم انهارت القوى الإندماجية في داخلها وتغلبت الجاذبية عليها بسبب كتلتها الهائلة. لكن هذا لا يعني أن الثقوب السوداء حصرية على النجوم وإنما أي جسم ممكن أن يتحول إلى ثقب أسود.

إذا اقتربنا من ثقب أسود فسنكتشف أنه يوجد نقطة محددة في فضائه حيث تكون سرعة الإفلات من جاذبية الثقب الأسود أسرع من سرعة الضوء. عند هذه النقطة يصبح الذهاب إلى مركز الثقب أمراً حتمياً. يتم جذب الجسم إلى مركز الثقب ويتم تفتيته بسبب قوة الجاذبية. أود أن أنوه لنقطة غريبة بعض الشيء لكنها مثيرة وهي أن داخل الثقب الأسود يتحلل الزمكان ويصبح لدينا زمان فقط (لا مكان). عندما تدخل الثقب الأسود أنت لا تتجه نحو المركز وإنما تنتظر المركز. تماماً كما تنتظر قدوم غداً، أنت لا تذهب إلى غداً ولا تستطيع الهروب من غداً… أقرب تشبيه للثقب الأسود وعدم القدرة من الهروب منه هي مقارنة مرور الوقت وكيف أنك لا تستطيع الهروب من الوقت. إذاً الوصول لزمن المركز هو أمر حتمي طالما أننا عبرنا نقطة الحدث أو نقطة الا عودة.

بالمناسبة فرضياً، الثقوب السوداء ليست حكر على النجوم حيث يوجد مرحلة معينة إذا ضغطنا المادة فيها بشكل ذري تصبح القوة الجاذبية للمادة أقوى من جميع القوى الأخرى الكامنة في داخلها فتستمر عملية الضغط إلى أن تنهار المادة ويتحول الجسم إلى ثقب أسود. هذا يعني أننا نظرياً قادرين أن نحول أي شيء إلى ثقب أسود. مثلاً إذا ضغطنا الكرة الأرضية إلى حجم مكعب من الليغو ستتحول الأرض إلى ثقب أسود لأن نسبة الضغط بين حجم الكرة الأرضية ومكعب الليغو هي النسبة اللازمة لكي تنهار إلكترونات الكرة الأرضية أمام ضغط جاذبية كتلتها.

مثلاً لو أخذنا نجم الشمس وضغطناه بحجم ٣ كيلومتر مكعب ستتحول الشمس لثقب أسود. هي عملية حسابية تساعدنا على التنبؤ بتشكل الثقوب السوداء…فإذا رصدنا نجم في مرحلة الانهيار وقمنا بحساب كتلته نستطيع معرفة مستقبله إذا كان سيتحول لثقب أسود أم لا. نحن نعلم أن نجم الشمس لا يوجد به الكتلة المناسبة لتشكل قوة جاذبية تضغط المادة لمرحلة الثقب الأسود وإنما في يوم من الأيام سيتحول نجم الشمس إلى قزم أبيض وربما يتحول بعدها لنجم نيوتروني ولكننا سنكون إما انتقلنا إلى مجموعة شمسية أخرى أو أوجدنا طريقة أن نعيش في عالم افتراضي أو ببساطة انقرضنا أتمنى من هذا المقال أن أكون قد حققت هدف متواضع وهو أن أغير نظرتك لهذه الأجسام المتلألئة في السماء. أتمنى في المرة القادمة عندما تنظر إلى النجوم أن تعلم أننا جميعاً اتينا من النجوم….

لمزيد من المعلومات اقراء مقالي عن الذرة ومقالي عن الثقوب السوداء


Universe (fourth edition). Kaufmann, William J. III. W. H. Freeman and Company New York, 1994.

Periodic Table of the elements

http://ptable.com

Arthur Holland and Mark Williams, Stellar Evolution : The Life and Death of Our Luminous Neighbors

http://www.umich.edu/~gs265/star.htm

Stellar Evolution

http://www.stellar-database.com/evolution.html

NASA website: Stellar Evolution – The Birth, Life, and Death of a Star

http://www.nasa.gov/audience/forstudents/9-12/features/stellar_evol_feat_912.html

Schneider & Arne, Main Sequence Stars

http://abyss.uoregon.edu/~js/ast122/lectures/lec14.html

Megan Gannon,Space.com, April 28, 2014: NASA Discovers Coldest Brown Dwarf Neighbor of the Sun

http://www.space.com/25659-coldest-brown-dwarf-near-sun-discovery.html

Nola Taylor Redd, Space.com, November 27, 2013: Red Dwarfs: The Most Common and Longest-Lived Stars

http://www.space.com/23772-red-dwarf-stars.html

Red dwarf

http://www.princeton.edu/~achaney/tmve/wiki100k/docs/Red_dwarf.html

Supernovae, Cosmic Explosions, National Geographics

http://science.nationalgeographic.com/science/space/universe/supernovae-article

NASA website

http://heasarc.gsfc.nasa.gov/docs/snr.html

NASA website: Black Holes

http://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/black-holes

Neutron Stars, Incomprehensible Density, National Geographics

http://science.nationalgeographic.com/science/space/solar-system/neutron-stars

 

مصطفى عابدين

مؤسس ومدير محتوى موقع علومي. باحث مهتم بالعلوم، أسعى من خلال هذا الموقع إلى المساهمة في إثراء المحتوى العلميّ العربيّ على الإنترنت بمقالات أصليّة مبسّطة، تزوّد القارئ غير المختصّ بالأساس العلميّ الذي يحتاجه لمتابعة آخر المستجدّات والأخبار العلميّة، بعيداً عن الترجمة التي في بعض الأحيان تُفقِد المحتوى العلميّ مضمونه.

5 تعليقات

انقر هنا لتضع تعليق

تعليق

  • شكراً لك صديقي على الموقع الرائع , لي سؤال صغير : شمسنا من أين أتت وطالما كل العناصر الثقيلة موجودة على الأرض فهل هذا يعني أن الأرض تشكلت بعد انفجار سوبرنوفا لنجم ؟

    • النجوم تنتج عن تجمع ذرات الهيدروجين كنتيجة للجاذبية . الأرض حتماً تشكلت بعد انفجار سوبرنوفا بدليل وجود عناصر مثل الحديد ضمن عناصرها. كما هو مذكور في المقال المواد و العناصر الثقيلة مثل الحديد و ما بعده على جدول العناصر كلها تنتج عن الطاقة الهائلة من انجار السوبرنوفا. هذا يعني أب بعض عناصر الكرة الأرضية ربما تشكلت قبل تشكل الشمس