في منشور سابق ذكرت أن الكائنات الحية لا تستطيع ربط العملية الجنسية مع عملية التكاثر و أن الكائنات الحية تمارس الجنس لأسباب تتعلق بالمحفزات الإيجابية المرتبطة مع العملية و ليس بهدف التكاثر (http://www.scientificamerican.com/article/what-animals-know-about-where-babies-come-from/ ).
الكثير من الأصدقاء طرحوا أسئلة مهمة حول بعض التصرفات التي تقوم بها الكائنات الحية و التي تعطي انطباع أن هذه الكائنات مدركة للهدف من العملية الجنسية و أنها تربط بين الجنس و التكاثر بدليل أن الأسود تقتل أشبال الإناث بهدف التخلص من أبناء الذكور الأخرى أو أن بعض ذكور الطيور تبني لأعشاش بهدف جذب الأنثى لكي تمارس الجنس معهم أو سأذكر مثال لم يتم يطرحه عليي من قبل الأصدقاء لكنه مهم أيضاً و هو تأثير بروس حيث يقوم ذكر الفأر باطلاق فرمونات تجهض حمل الإناث من ذكور مختلفين و ذلك قبل ممارسة الجنس معها بهدف التأكد أن جيناته هي التي ستنتشر أو أفراز طائر الوز مادة شمعية لاغلاق المهبل بهدف منع بقية الذكور من اتمام العملية الجنسية بعده. ايضاً أذكر كيف أن الغراب يقوم برمي الجوز على سطح قاسي بهدف كسره و أكله و كأن لدى الغراب فهم للفيزياء و أنه قادر على القيام بعمليات حسابية معقدة تقود لاستنتاج أثر الارتطام على سطح قاسي.
كل هذه التصرفات قد تبدو و كأنها ناتجة عن كائن مدرك قادر على التخطيط المستقبلي لكن في الواقع هذا ليس ما يحدث.
جزء من تطور الكائنات الحية هو تطور تصرفاتها الغريزية التي تساهم في انجاح عملية التكاثر و الحصول على الموارد. هذا يعني أن الكثير من التصرفات التي تقوم بها الأحياء هي ليست نتيجة تخطيط و إنما بسبب نجاح هذه التصرفات في نشر جينات من يقوم بها. مثلاً الإنسان عندما يشعر بالبرد تتفعل الأكياس الشعرية الموجود على جسده بهدف تحفيز الوبر الموجود على الجسد و ذلك بهدف حمايته من البرد أو اعطاء طابع أن جسمه أكبر من الحجم الطبيعي في حالة الخطر لكن و بسبب تطور الإنسان و التخلص من الوبر لأسباب بقائية لن أدخل بها الان أصبحت هذه الألية دون فائدة بقائية اليوم و لكنها لازلت مستمرة و ذلك لأن هذه الألية كان لها دور مهم سابقاً في حماية الإنسان و الكثير من الثدييات من البرد.
ساذكر مثال قرأته في كتاب للبروفيسور ريتشارد دوكنز Brief Candle in the Dark و الذي يتحدث عن تجربة عن نوع من أنواع الدبابير و ذلك بهدف توضيح كيف أن بعض التصرفات التي تبدو لنا و كأنها ناتجة عن كائن واعي يتصرف ضمن منطق زمني و سببي هي ليست سوى sequence مجموعة من الأليات التي تطورت لدى هذه الكائنات لأنها مع الوقت أعطت أفضلية بقائية لمن يقوم بها بهذا الترتيب. (يوجد العديد من الأمثلة الآخرى)
يوجد نوع من أنواع الدبابير اسمه الDigger Wasp و الذي يحفر حفرة لتكون مكان سكنه (عشه). الدبور عادة يخرج من الحفرة لكي يبحث عن حشرات يصطادها لكي يأكلها و يطعمها لأبنائه داخل الحفرة.
الخطوة الأولى أن الدبور يخرج من الحفرة و يطير حولها عدة دورات لكي يرسم مخطط جغرافي لمكان الحفرة لكي يستطيع العثور عليها عند العودة.
يطير الدبور باحثاً عن الحشرات و عند نجاحه في صيدها يحملها و يعود باتجاه حفرته. يحوم حولها إلى أن يحدد مكانها فيهبط بجانبها و يضع صيده بجانب مدخل الحفرة.
يدخل إلى الحفرة بهدف الاستطلاع و التأكد أن المدخل خالي من العوائق أو ربما كائنات مفترسة آخرى.
يخرج الدبور و يحمل صيده و يدخل إلى حفرته ليأكل و يطعم عائلته. و هكذ تتكرر العملية.
المراقب الخارجي قد يظن أن الدبور لديه ادراك مكاني قوي و منطق زمني و سببي إذ أنه يتأكد من خلو الحفرة قبل الدخول. في الواقع تم فحص هذه التصرفات من خلال بعض التجارب لهدف التأكد من قدرة الدبور على الإدراك فكانت النتأئج كتالي:
في المرة الأولى تم وضع نقاط علام حول حفرة الدبور. بعد أن قام الدبور بالطيران حول الحفرة عدة مرات لرسم القالب الجغرافي تم تحريك نقاط العلام بعد مغادرتع بشكل منظم بحيث نحافظ على نفس الشكل لكن ننقل نقاط العلام لموقع مختلف قريب نسبياً. كانت النتيجة أن الدبور هبط عند نقاط العلام الجديدة و لم يستطيع العثور على حفرته. مما يدل على أن العملية هي عملية برمجة مكانية خالية من عمليات حسابية منطقية تتفاعل مع المتغيرات. (عملية حسابية بسيطة).
في المرحلة الثانية لم نحرك نقط العلام لكن ننتظر الدبور إلى أن يدخل إلى الحفرة. بعد أن يدخل الدبور إلى الحفرة نحرك الحشرة التي اصطادها و نضعها بالقرب من المدخل لكن بمكان مختلف عن الذي وضعه الدبور.
عندما يخرج الدبور من الحفرة لا يجد الحشرة في مكانها مع أننا لم نحركها كثيراً. مع الوقت يعثر عليها لكنه لا ينقلها إلى الحفرة مباشرة و إنما يكرر آخر sequence فعل قام به قبل هذه المرحلة و هو الدخول إلى الحفرة و التأكد من خلوها. نكرر العملية عشرات المرات و في كل مرة يكرر الدبور هذه الخطوة و كأنها تحدث له لأول مرة. يخرج من الحفرة يجد الحشرة فتتحفز لديه ألية التأكد من خلو الحفرة فيدخل. يخرج لا يجد الحشرة فيقوم دماغه باعادة تكرار نفس العملية. نستطيع تكرار هذه العملية عشرات المرات.
هذا المثال البسيط يجسّد آليات العمل الغريزية التي قد تبدو و كأنها تاتجة عن ادراك و تخطيط لكنها ليست سوى غرائز مكتسبة أثبتت عبر الزمن فائدتها للكائنات التي تقوم بها.
هذا فيدو للبروفيسور دوكتز يشرح التجربة:
هذا المقال جاء كجزء من اجابة قدمتها حول المثلية الجنسية:
يوجد عدة نقاط لاحظت أنها تتكرر ضمن التعليقات. الأولى هي اعتبار ان الهدف من العملية الجنسية هو التكاثر. هذا خطأ لأن أغلب الكائنات الحية لا تربط بين العملية الجنسية و التكاثر و هي تقوم بالممارسة الجنسية لأنها تريد أن تحصل على جرعة من الدوبامين.
هرمون المتعة أو الدوبامين يتم افرازه لمكافئة الكائن على ممارسة الجنس و ذلك لأهمية التكاثر في استمرار الحياة لكن الكائنات الحية لا تعرف هذه الحقيقة و تقوم بالممارسة بشكل غريزي و طمعاً بالدوبامين.
What Animals Know about Where Babies Come From:
http://www.scientificamerican.com/…/what-animals-know…/
إذا العملية الجنسية في الطبيعة هي نتيجة تطورية لاستمرار الحياة إلا أن الأحياء تمارسها لهدف المتعة و هذا يعني أن اعتبار الجنس الطبيعي هو فقط الجنس الذي يؤدي إلى الإنجاب اعتبار خاطئ.
Homosexual lions:
https://www.youtube.com/watch?v=Q8gttC6P3bE
النقطة الثانية التي أود أن أتطرق إليها هو أن المثلية الجنسية هي توجه جنسي طبيعي و موجود لدى الكثير من الأحياء و هي تمارسه بهدف المتعة كما ذكرت و ليس الإنجاب. سبب ظهور التوجه الجنسي المثلي يعود لعملية التكون الجنيني و نسب الهرمونات التي يتم افرازها في مرحلة تكون الدماغ. لهذا فإن الإنسان المثلي لا يستطيع أن يغيير توجهه الجنسي و الإنسان المغاير لا يستطيع أن يصبح مثلي و بالتالي لا يمكن أن تنتشر المثلية لمجرد قبولها اجتماعياً كما يذكر الكثير من المتابعين هنا.
النقطة الثالثة تتعلق بموضوع الحرية الشخصية و هي تتمحور حول معيار واحد ألا وهو الأثر الذي يتركه الفعل على الآخرين. يوجد الكثير من التصرفات الطبيعية الغير مقبولة مثل الإغتصاب أو القتل أو الممارسة الجنسية مع الأطفال أو السرقة أو الكذب و غيرها من الغرائز. سبب عدم قبولها ليس مبني على كونها طبيعية أم غير طبيعية و إنما مبني على كونها تؤثر بشكل سلبي على الترابط الاجتماعي و تؤدي إلى تفكك التجمعات البشرية التي لا تحرمه. الإنسان كائن اجتماعي يعتمد على المجموعة بشكل أساسي في بقائه على قيد الحياة و بالتالي فإن جميع الأفعال التي تهدد الترابط الإجتماعي البشري هي أعمال محرمة و ممنوعة. التحريم ليس مرتبط بكون الفعل طبيعي أو غير طبيعي.
المثلية الجنسية هي علاقة طبيعية (ذات نسبة قليلة في المجتمع) لكنها تحدث بين أشخاص بالغين راشدين مسؤولين عن تصرفاتهم. هذا العلاقة لا تؤثر على الترابط الاجتماعي بشكل سلبي و بالتالي نصنفها تحت بند الحرية الشخصية بغض النظر عن كونها طبيعية و ليس بمقدور الشخص المثلي تغيرها
إبداع يادكتور .. مقالات في غاية الروعة والإتقان إن كان من الأسلوب المشوق في الطرح أو تبسيط الفكرة أو ترابط الأفكار فلا يتيه القاريْ في تفاصيل ولايضيع غير المتخصص في مصطلحات ومفاهيم معقدة.. شكراً للصدفة المحضة التي قادتني للوصول إلى هنا
وهناك سؤال يحيرني وأرجو أن تخصص له مقالاً وبحثاً مستقلاً وهو تأثير العطر والروائح على الدماغ، وتأثير العطور في إثارة الرغبة الجنسية عند الجنسين.. ولماذا تختلف العطور الرجالية عن النسائية في رائحتها؟ ومماذا تتركب العطور النسائية والرجالية؟ وماذا يحصل لو عكسنا الآية فأصبحت المرأة تتعطر بعطور رجالية والرجال بعطور نسائية، فهل ستصبح هذه العطور جاذبة أم منفرة؟ وماذا لو قمنا بتعطير الحيوانات فهل سيؤدي هذا إلى ارتفاع رغبتها الجنسية وتكاثرها أم أن التأثر بالعطور هو خاص بالإنسان بحكم تطور دماغه؟
حقيقة لا أعرف كيف أشكرك على هذا الموقع الثمين من درر العلوم، أجبت على أسئلة كثيرة لم أكن أعرف لها إجابة، ويستحق هذا الموقع أن ينتشر عند القراء العرب كانتشار النار في الهشيم فهو إثراء للعقول وإشباع للمعرفة
شكرا لكم ولنورك ولمساعدتك في انفتاح فكرنا بفضل امتالكم ولكم خالص الشكر والتقدير