نظرية التطور عبر الانتقاء الطبيعي هي من أكثر النظريات العلمية اثباتاً وهي مفسرة علمياً أكثر من الجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين.
هذه العبارة تم انتقادها من البعض على أنها جملة شاعرية تمت صياغتها بهدف أن تكون عنوان رنان لمقال حول نظرية التطور. الاعتراض مبني على اساس أن الجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين (القوى الكونية الأربعة) هي نظريات رصينة و مثبتة رياضياً و يوجد اجماع علمي حولها على خلاف نظرية التطور.
أود أن أوكد أن هذه الجملة ليست بغاية اطلاق شعارات رنانة و إنما هي تمثل واقع علمي ملموس.
في هذا الرد أنا لن أدخل في كمية الدلائل و البراهين حول نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي إذ أن المقال الاصلي فيه الكثير من هذه الدلائل و التفسيرات.
https://myscience.space/
أود أن اركز هنا على رفع ستار وهم المعرفة حول ما نعلمه عن الجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين. الكثير من الناس لديها وهم معرفة حول ماهية الجاذبية. الجاذبية من أكثر الظواهر الفيزيائية تأثيراً بحياتنا البشرية إذ أنها تبقينا على سطح الكوكب و تؤثر على فهمنا العام لكل ماهو حولنا. فمثلاً الاشياء تسقط من الأعلى إلى الاسفل و القمر يدور حول كوكب الأرض و أنت إن فقزت لابد أن تهبط على الارض. كل هذا يجعلك تظن أنك تفهم الجاذبية إلا أننا فعلياً لا نعرف عنها الكثير. العالم اسحاق نيوتن وضع معادلة رياضية تعمل على تفسير تأثير الجاذبية بشكل رياضي لكنه لم يتمكن من تفسير هذه الظاهرة و كتب في إحدى رسائله العبارة التالية و التي سأقوم بترجمتها:
Gravity must be caused by an agent, acting constantly according to certain laws; but whether this agent be material or immaterial, I have left to the consideration of my readers.
Sir Isaac Newton
Third letter to Bentley, 25 Feb 1693. Quoted in The Works of Richard Bentley, D.D. (1838), Vol. 3, 212-3.
الجاذبية لابد أن تكون نتيجة تأثير عامل مستمر يقوم بالتأثير بناء على قوانين محددة لكن إن كان هذا العامل هو عامل فيزيائي أو غير فيزيائي سأترك هذا السؤال للقارئ أن يجيب عليه.
هذا ما يجعل اسحاق نيوتن من عظماء الألفية الثانية إذ أنه ليس فقط وضع معادلة رياضية كانت الأولى من نوعها في تاريخ الجنس البشري و إنما مصداقيته في قول “لا أعرف”. إذاً نيوتن قدم لنا معادلة رياضية مكنتنا لأول مرة في توقع نتائج فيزيائية لكنه كان واضحاً في عدم فهمه لماهية هذه الظاهرة. يمكنني أن أسرد طويلاً عن نيوتن و انجازاته و خصوصاً ابتكار رياضيات التفاضل و التكامل لكن يجب أن نعود لموضوعنا.
بعد ٥٠٠ سنة تقريباً من وفاة نيوتن بقيت الجاذبية قوة مجهولة المصدر لكنها مفسرة بشكل رياضي ميكانيكي. جاء ألبرت أنشتاين و قدم نظرية النسبية الخاصة المتعلقة بالضوء ثم قدم نظريته الشهرية بالنسبية العامة و التي عملت على تفسير الجاذبية. إذاً أنشتاين حاول أن يكمل من حيث توقف نيوتن. اقترح أنشتاين فكرة ثورية و هي أن الجاذبية ليست إلا نتيجة تفاعل المادة مع المكان. ملخص نظرية أنشتاين هو أن المادة تقول للمكان كيف ينحني و المكان المنحني يقول للمادة كيف تتحرك.
هذا هو أفضل تفسير لدينا عن الجاذبية. طبعاً مع التطور العلمي استطعنا تطوير معادلات أكثر دقة لكننا مازلنا لا نعرف عن الجاذبية سوى أنها علاقة بين الكتلة و المكان. لكن كيف تعمل هذا لا يزال لغزاً علمياً بالنسبة لنا. نعم نحن نستطيع توقع تأثيرها و نستطيع رصدها و نستطيع التعامل معها لكننا لانزال غير مدركين لماهيتها.
ربط الجاذبية مع النموذج القياسي:
باختصار شديد في الفيزياء يوجد ما يسمى نظرية النموذج القياسي للجسيمات الفيزيائية حيث تقوم هذه النظرية في تفسير القوى الكونية الثلاث ماعدى الجاذبية. تعتبر نظرية القالب القياسي من أهم النظريات الفيزيائية في توصيف كل الظواهر الفيزيائية على المستوى الذري إلا أن هذه النظرية غير مكتملة و ذلك بسبب عدم قدرتها على تمثيل الجاذبية. النموذج القياسي يمثل القوة الكهرومغناطيسية و القوة النووية القوية (المسؤولة عن تماسك نواة الذرة) و القوة النووية الضعيفة المسؤولة عن توصيف تطور الجزيئات الذرية.
لا أود أن أحول هذا الرد لمقال حول الفيزياء الكمية لكن لابد من توضيح بعض النقاط لكي ابني عليها لماذا نحن لا نعلم بالضبط كيف تعمل الكهرومغناطيسية. الذرة بشكل مبسط عبارة عن قسمين نواة و الكترون. النواة تتألف من اقسام أصغر حجماً تكون لها شحنة موجبة من الطاقة. بينما الالكترون المتواجد حول النواة لديه شحة سالبة من الطاقة. من أول الأسئلة التي تخطر على بالنا هو لماذا لا تنهار الذرة على نفسها و تلتحم النواة مع الالكترون إن كانت لكل منهما قطبية مختلفة؟ الجواب على هذا السؤال تتم الإجابة عليه ضمن الفيزياء الكمية إذا أن جزيئات الطاقة تتحرك ضمن كميات محددة لكن الفكرة هنا أننا نعتبر أنه من المسلمات اعتبار أن الطاقات المتشابهة تتنافر و الطاقات المختلفة تتجاذب. لكن لماذا؟
هذه الفكرة هي جزء من نظرية الكهروستاتيكية بين الجسيمات المشحونة كهربائياً و هي نتيجة قانون وضعه الفزيائي الفرنسي شارل كولوم هو أساس تطوير نظرية الكهرومغناطيسية. قد يبدو كل هذا جميل و رائع لكن في الواقع نحن ليس لدينا تفسير لكيف تعمل هذه القوى كل ما نعلمه أنها تعمل بهذه الطريقة. إذاً أنا بدأت هذا الرد في الدفاع عن مقدمة مقالي عن نظرية التطور حيث ذكرت التالي:
<< نظرية التطور حقيقة علمية مثبتة أكثر من أي نظرية علمية حتى الآن. هذا يعني أن فهمنا لنظرية التطور يفوق فهمنا للجاذبية و الكهرومغناطيسية و النوويتين الضعيفة و القوية و غيرها من المسلمات العلمية. القارئ العربي غير ملام بعدم فهم النظرية بسبب كمية التضليل المنتشر حول النظرية و بسبب فقر المحتوى العلمي العربي على الإنترنت.>>
أتمنى أن يكون هذا التفسير الموجز جداً قد وضح الفكرة من هذه الجملة و قدم مقارنة بين فهمنا لنظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي بالمقارنة مع الجاذبية و الكهرومغناطيسية.
قانون الجاذبية الحالي هو جزء من نظرية غير مكتملة إذ أنها غير ممثلة على المستوى الذري و نظرية الكهرومغناطيسية مبنية على أساس قانون يوصف ظاهرة دون تفسيرها. أنا لا اقول أننا لا نفهم هذه القوى اطلاقاً و إنما أقول أن فهمنا للتنوع الحيوي أفضل و أوضح بكثير من هذه الظواهر الفيزيائية إلا أنني لا أجد من يحاول اثبات عكس الجاذبية أو الكهرومغناطيسية. أترككم مع ملفي فيديو لنيل ديغراس تايسون و السيد براين غرين فهم أفضل مني في شرح هذه النقطة و شكراً لكم على اهتمامكم.
ملف السيد نيل ديغراس تايسون:
https://www.youtube.com/
ملف السيد براين غرين:
https://www.youtube.com/
اتمنى لك التقدم في الأفق الواسع