علم نفس تطوري

الأزرار الوهمية

عندما أستيقظ في الصباح على صوت المنبه، أسارع في الضغط على زر توقيف صوت المنبه المزعج. أتجه نحو غرفة الجلوس و أضغط على زر جهاز التحكم لتشغيل التلفاز. فجاءة أسمع صوت التلفاز عالي جداً فأضغط على زر اخفاض الصوت. أذهب باتجاه الحمام واضغط على زر انارة الضوء. أحرك صنبور الماء لأغسل وجهي ثم أضع بعض معجون الأسنان على فرشاتي المتحركة. أضغط زر التشغيل فتبدأ بالدوران لكي أنظف أسناني. بعد أن أحضّر فطوري وألبس ثياب العمل أغادر المنزل في طريقي إلى العمل. أتوجه نحو المصعد وأضغط على زر الهبوط إلى الطابق الأسفل. أضغط على زر المصعد مرات متكررة لأني متأخر على العمل. يأتي جاري ويقف بجواري فيضغط هو بدوره أيضاً على الزر المصعد المضيء. تأتي جارتنا وتضغط هي أيضاً على نفس الزر الذي من الواضح أنه قد تم ضغطه بسبب الضوء المشع منه.

لماذا نضغط على زر المصعد أكثر من مرة على الرغم من أننا نعلم أن كبسة واحدة كافية لجلب المصعد؟

طبعاً حين أسأل السؤال بشكل عام الأغلبية تجيب أن الضغط المتكررعلى الزر يعود لسبب قلة الصبر، لكن في الحقيقة يوجد سبب غريزي أعمق لتوصيف هذه الحالة ولكن قبل أن نتعمق بهذه الغريزة أريد أن أقص عليكِ بعض الأمثلة المرتبطة بقصة الأزرار.

جميعنا في فترة ما وقف على تقاطع طرقي حيث ممر المشاة. يوجد زر يضغطه المشاة لإعطاء أمر للإشارة الضوئية على وجود مشاة يرغبون في عبور الطريق. هل تعلم أن أغلب هذه الأزرار لا تعمل؟

السبب أن تغير الإشارة يتم عن طريق أجهزة حاسوب مرتبطة بشبكة مرورية عامة وتغيير كل اشارة لا يتم إلا عبر هذه الشبكة المرورية. التغير العشوائي للإشارات يسبب الكثير من المشاكل المرورية والازدحام لهذا لا يتم ربط هذه الأزرار مع الشبكة وتبقى معلقة بشكل زينة يضغط عليها المارة فقط دون أي فائدة تذكر.
ملاحظة: يمكنك القيام بتجربة علمية سريعة من خلال تعيير مؤقت زمني للوقت الذي تستغرقه الإسشارة الضوئية في التبديل وصولاً لدورك بقطع الشارع. قم بقياس الوقت مع الضغط على الزر ودون الضغط على الزر. ستكتشف أنها تأخذ نفس الوقت.

جميعنا في فترة ما دخل إلى المصعد و ضغط على زر إغلاق المصعد لتسريع عملية الإغلاق. هل تعلم أن هذا الزر لا يعمل في أغلب المصاعد؟ وأنه موجود فقط لحالات الطوارئ ويعمل فقط برفقة مفتاح رجال الإطفاء حصرياً. هذا الزر في أغلب الأحيان غير مفعّل بسبب قوانين احترام حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. أيضاً يمكنك التأكد عبر تعيير زمن الإغلاق مع كبس الزر ودونه.

هل تعلم أن أجهزة التحكم بالمكيفات في المناطق العامة و الشركات الكبيرة هي ليست إلا زينة و ليست مشبوكة مع جهاز التكييف الأساسي. حتى أنه في بعض الشركات يتم وصل جهاز يطلق صوت وكأن المكيف انطلق بعد الضغط على جهاز التحكم. الغاية من فصل جهاز التحكم وربط المكيف مع ميزان حرارة مركزي هو التوفير في المصاريف الكهربائية وإيهام الموظفين أنهم يتحكمون بدرجات الحرارة.

لنعود إلى موضوع الضغط على زر المصعد وما هي الغريزة التي تسبب هذه الحالة.

الغرائز:
إذا خيرتك بأن أعطيك ١٠٠$ دولار اليوم مقابل الضغط على زر معين أو أعطيك ٢٠٠٠$ دولار بعد خمس سنوات مقابل الضغط على نفس الزر. أغلب الأشخاص سيختارون ال١٠٠$ لأن المكافئة فورية. نحن مبرمجون في كل شيء على البحث عن المكافئة الفورية مقارنة مع المكافئة البعيدة الأمد.

إذا سألنا طفل أن نقدم له سكرة واحدة الآن أو كيس من السكاكر بعد ثلاث ساعات فإن الطفل سيختار السكرة الواحدة الآن. في علاقاتنا المادية يجب أن نقدم حوافز مادية لأي عملية اقتصادية تتم بعد زمن، لذلك كل ما كانت المكافئة بعيدة كل ما توجب زيادة الحافز المادي المرتبط مع المكافئة. (البنوك تقدم قروض مقابل فائدة. أنت في العديد من الأحيان تدفع 100% من قيمة القرض بالفوائد، لكنك لا تكترث لأنك تريد المكافئة الآن)

– أدخن سجائر اليوم (بحاجة الدوامين) و أهتم بمشاكل الرئة فيما بعد.
– أكّل البطاطا المقلية مع جوانح الدجاج الآن و أتعامل مع السمنة لاحقاً.
– أشتري هذا الجهاز الجديد اليوم و أقسّط ثمنه بقيمة عالية لاحقاً.

في ملخص هذه الغريزة، نحن وبقية الكائنات نفضل أن نرى نتائج عملنا بشكل مباشر ونفضل المكافئة الفورية عن المكافئة البعيدة الأمد مهما اختلفت قيمة المكافئة.

بعد أن تكلمنا عن المفهوم الغريزي للمكافئة. أود أن أعرج من هذه الغريزة إلى آلية موجودة عند جميع الأحياء وهي ربط الأحداث بالنتائج. في أغلب التجارب العلمية التي نقوم بها على الفئران نحن نعلمهم ما عليهم فعله عن طريق ربط الفعل مع مكافئة أو عقوبة. إذا قام الفأر بفعل محبذ نقدم له مكافئة فيرتبط الفعل مع نتيجة ايجابية وإذا قام بعمل لا نريده نعاقبه فيتعلم ألا يكرر ذاك الفعل.
أسم هذه الحالة Classical conditioning

الآن لنقوم بربط هذه الغرائز مع بعضها. نحن نتعلم فيما يتعلق بضغط الأزرار أن كل ضغطة زر نقوم بها لها نتيجة فورية مباشرة. دماغنا يربط ضغط الأزرار بنتيجة يجب أن تحدث. هذه النتيجة مربوطة بعامل زمني إذا ضغطنا على زر معين ولم نحصل على النتيجة ضمن المدة الزمنية المبرمجين عليها نقوم بالضغط من جديد. نعم يتهيأ لنا أننا تفقد صبرنا إلا أن السبب يعود إلى حاجتنا لنتيجة مباشرة لضغطنا على الزر. أغلب تفاعلاتنا التكنولوجية تعتمد على الفعل و ثم إدراك النتيجة بشكل مباشر (أو إدراك تغير معين سيؤدي إلى النتيجة النهائية)

للتأكيد على هذه النقطة، نحن لا نكرر الضغط على الزر حال أصبحنا داخل المصعد لأننا نرى نتيجة الضغط عبر حركة المصعد (هبوط أو صعود). بينما في حالة الانتظار خارج المصعد نحن فقط نرى ضوء الزر المضغوط و هذا لا يكفي لإعطائنا ربط بين الضغط على الزر و ما يجري أثناء رحلة المصعد في طريقه إلينا. لهذا نجد بعض الشركات تضيف صوت رنة عند تجاوز المصعد لكل طابق. هذا يسهل عملية الClassical conditioning بين هبوط أو صعود المصعد و بين صوت الرنة التي نسمعها. كل رنة تؤكد لنا أن الضغطة الأصلية مازالت مؤثرة.

أنا أتوقع أن يخف الضغط المتكرر لزر المصعد في الأماكن التي تعتمد المصاعد التي تستخدم خاصية الرنة عند تجاوز كل طابق…

لهذا نجد أن كل تفاعل بيننا و بين التكنولوجيا بتوجب ربطه بنتيجة فورية تأكد لنا أن فعل (س) سينتج عنه نتيجة (ع)…. أو أن فعل (س) لا يزال مؤثر و سينتج عنه نتيجة (ع). تخيل لو أنك عند تحميل فيدو لم ترى الخط الذي يمثل لك أن التحميل جاري. عندها ستضغط على رابط الفيديو بشكل متكرر…

الأزرار الوهمية موجدة في كل مكان و تسمى placebo-buttons أي “الأزرار الوهمية”… في المرة القادمة تتعرض لهذه الأزرار الوهمية تذكر أنها موجودة لأجلك و لخدمتك
مرفقات:

http://abcnews.go.com/GMA/video/placebo-buttons-pushing-10722406
https://www.youtube.com/watch?v=9QCzkSKEcwc
https://www.youtube.com/watch?v=ZpYP7tfqr8g
http://io9.com/placebo-buttons-do-absolutely-nothing-and-they-are-eve-1003177950

 

 

مصطفى عابدين

مؤسس ومدير محتوى موقع علومي. باحث مهتم بالعلوم، أسعى من خلال هذا الموقع إلى المساهمة في إثراء المحتوى العلميّ العربيّ على الإنترنت بمقالات أصليّة مبسّطة، تزوّد القارئ غير المختصّ بالأساس العلميّ الذي يحتاجه لمتابعة آخر المستجدّات والأخبار العلميّة، بعيداً عن الترجمة التي في بعض الأحيان تُفقِد المحتوى العلميّ مضمونه.

أضف تعليق

انقر هنا لتضع تعليق

تعليق