الإدراك و الوعي

في هذا المقال سأحاول تفسيرما هوالإدراك و الوعي  من زاوية علمية فيزيائية مبسطة لكن  يجدر الذكر أني اقدم فهمي الخاص لحالة الإدراك و لا استطيع أن أقول بشكل موضوعي أن الإدراك هو كذا و كذا.

في هذا المقال أنا افترض أن القارئ على دراية عامة حول ماهية عمل الدماغ و أقسامه. يوجد لدي مقال سابق يتحدث بشكل مبسط عن أليات العمل الدماغي (الروح و الأنا)  أنصح بالاطلاع عليه قبل الخوض ضمن هذا المقال.

ما هي المعلومات؟

سأستخدم كلمة معلومات ضمن المقال و التي أعني بها معلومات فيزيائية. المعلومة هي اختلاف بين حالتين فمثلاً لو كان كل شيئ متجانس دون أي اختلاف فهذا
يعني من الناحية الفيزيائي غياب المعلومات إذ أننا غير قادرين على تحديد فرق.

الذرة عبارة عن كتلة من الطاقة لكن إن تمعنا في محتوها و قسّمنها إلى أجزاء أصغر فسنجد أنها تتكون من عناصر أساسية اصغر حجماً إلى أن نصل إلى مستوى تصبح فيه هذه العناصر الأساسية ليست سوى علاقات رياضية رقمية. مثلاً الالكترون هو جسيم ذو شحنة سالبة له كتلة من الطاقة بقيمة 0.510 MeV و يتميز بقيمة دوران بقيمة النصف.
هذا التوصيف الذي ذكرته لكم ليس سوى معلومات رياضية تساعدنا على تميز الإلكترون عن الإلكترون نيوترينو مثلاً حيث أن الإلكترون نيوترينو لديه شحنة محايدة و كتله بقيمة 3 eV و خاصية دوران بقيمة النصف. كل ما تغير بين هذين الجسيمين الأساسيين هي بعض المعلومات الرياضية.

• Mev تعني milli-electron volt
• Ev تعني Electronvolt

كل ما نرصده من حولنا يتألف من هذه العلاقات الرياضية و التي إن تعمقنا فيها ليست أكثر من طاقة تختلف مع اختلاف المعلومات التي توصفها فمثلاً الضوء عبارة عن جسيم له شحنة محايدة و كتلة بقيمة 0 و خاصية دوران بقيمة ١ بينما البروتون عبارة عن كتلة من الطاقة بقيمة  938.272 MeV و شحنة كهرومغناطيسية موجبة و خاصية دوران بقيمة النصف. الفكرة ببساطة أننا نعيش ضمن كون يتألف من علاقات رياضية و كل ما نرصده من حولنا هو اختلاف معلوماتي لنفس الاشياء التي نسميها الطاقة.

ملاحظة جانبية: أصغر حجم فيزيائي في الكون هو أصغر حجم مكاني قابل لتخزين اختلاف معلوماتي (فيزيائي). يعني طالما أننا قادرين على تمييز اختلاف فهذا يعني أننا نميز معلومات. في الفيزياء نسمي هذا الحجم مستوى بلانك – Planck scale و الذي يعني أن أي شيئ أصغر من هذا الحجم لم يعد يحتوي على معلومات فيزيائية.

ضمن المقال سأقوم بتقديم تصور يوضح أن الإدراك ليس سوى عمليات حسابية لهذه المعلومات و أن مستوى الإدراك يتفاوت بناءً على تعقيد العمليات الحسابية القائمة. كنت قد حاولت ربط هذا المقال مع مقال سابق يتعلق بالفوضى و سهم الوقت و الذي أجده مرتبطاً ارتباطاً وثيق مع موضوع انتشار المعلومات في الكون إلا أنني وجدت أن هذا قد شتت هدف هذا المقال و الذي هو بحد ذاته هدف ليس سهل التحقيق (تفسير الإدراك).

أدعوك أن تقرأ مقالي بعنوان “الفوضى و سهم الوقت” و ربط المقالين مع بعضهما.

أنا أعّرف الإدراك على أنه عملية حسابية لمعلومات فيزيائية متوفرة لدى كيان ما بهدف رسم قالب يحاكي الواقع بغاية تحقيق هدف ما. أنا في هذا التعريف لم
أعتبر أن الإدراك حالة حصرية على الأحياء و إنما أخذت توجه فيزيائي بحت حيث نستطيع من خلاله قياس و تقييم كل حالة ادراك على حدىً و قد تكون النتيجة أن الإدراك حالة حصرية لدى الأحياء أو لا. هذا التوجه يعطينا مرونه أكبر في البحث و يمكننا من الوصول إلى أقرب نتيجة موضوعية ممكنة.

أود أن أحلل التعريف قليلاً… إذاً يوجد شرطين أساسين لاعتبار التفاعل ضمن تعريف الإدراك.
أولاً يتوجب أن يكون الكيان قادر على تحليل المعلومات الفيزيائية الواردة له و ثم القدرة على محكاة هذه المعلومات ضمن قالب يمكن الكيان من التفاعل مع هذه المعلومات بشكل يساعده على تحقيق غاية ما. الغاية لدى الأحياء بشكل عام هي البقاء على قيد الحياة و التكاثر.

مستوى صفر من الإدراك: 

لنبدأ و نتخيل صخرة متموضعة بالقرب من بركة ماء. ماهو نوع الإدراك الذي لدى هذه الصخرة يا ترى؟ منطقياً نحن نعتبر أن هذه الصخرة لديها إدراك بقيمة صفر (٠) لأنه ليس لدى الصخرة جهاز عصبي يحلل المعلومات المحيطة بها. الحجر القابع على الأرض يتأثر بعدة ظواهر فيزيائية. مثلاً الحجر متأثر بالضغط الجوي الأرضي الذي يضغط على جزيئاته طوال الوقت. أيضاً الحجر متأثر بقوة الجاذبية الأرضية حيث أن كتلته تود التوجه نحو نواة الكرة الأرضية. بالاضافة للعديد من التأثيرات الفيزيائية الأخرى مثل تعرضه للفوتونات الضوئية القادمة من الشمس الخ. هذا التأثير الفيزيائي الحاصل على الحجر لا يعني أن الحجر مدرك لهذه الظواهر لكن لا شك أن المعلومات المرتبطة في توصيف موقعه و حالته الفيزيائية متوفرة و موجده لمن يريد تحليلها لكنها غير مهمة للحجر من الناحية البقائية (الغاية). الحجر يحقق هدفه البقائي في التموضع في مكانه على أكمل وجه دون حاجة لتحليل محيطه الفيزيائي.

إذاً المستوى الأول من الإدراك هو 0 و الذي يتمثل بعدم تحليل أي من المعلومات المتوفرة لدى الكيان.

الحجر ضمن المثال لديه هدف البقاء في مكانه و هو يحقق هدفه على أتم وجه دون أن يحلل اي من المعلومات المتوفرة لديه. أنا هنا لا أدعي أن للحجر غاية في البقاء في مكانه و إنما أن ماهية الحجر تتحقق دون حاجة الحجر لتحليل المزيد من المعلومات و بهذا يكون لديه مستوى صفر من الإدراك.

المستوى الأول من الإدراك:

في هذا المستوى يكون الكيان قادر على التفاعل مع العوامل الفيزيائية الخارجية التي يتأثر بها. كما ذكرت سابقاً فنحن ضمن كون يتألف من علاقات فيزيائية (معلومات). التفاعل يستوجب استقبال هذه المعلومات و رصد اختلاف المحتوى الفيزيائية المتضمن فيها. في هذا المستوى يكون الكيان غير متحرك و ثابت في مكانه. هذا يعني أن الكيان يستطيع تحليل كافة المعلومات الفيزيائية المحيطة به و  المهمة لبقائه لكن دون الحاجة للاهتمام بتحليل معلومات مرتبطة بمفهوم الزمن.

النباتات على سبيل المثال تقوم برصد الفوتنات الضوئية القادمة من الشمس و تحديد كميتها و مستوى طاقتها و تقوم برصد المركبات الكميائية المحيطة بها (روائح) و تستطيع رصد الأملاح المتوفرة في التربة و تستطيع رصد مركب الماء. النباتات أيضاً تسطيع رصد نباتات أخرى محيطة بها عن طريق جذورها و تستطيع تحديد الحشرات الضارة و المفيدة لها عن طريق عمليات كميائية معقدة.

إذاً النباتات عبارة عن كمبيوتر كمي كبير يقوم بعمليات معقدة و يتفاعل مع هذه المعلومات ضمن استراتجيات و أليات تحقق الهدف البقائي له. تقوم أوراق النبتة برصد اتجاه أشعة الشمس فتعطي تعلميات لتنمو باتجاهها. في فصل الصيف عندما تكون أشعة الشمس في أوجها تفرز النباتات مادة اليخضور لكي يتم تحويلها إلى طاقة تخزنها للاستخدام المتسقبلي. في فصل الخريف و عند تغير موقع الشمس تقوم النباتات بتخزين مادة اليخضور حتى الموسم القادم و تقوم بافراز مادة تغير لون الأوراق لألوان تحميها من أشعة الشمس إذ أن أشعة الشمس لافائدة منها دون مادة اليخضور. في نفس الوقت تقوم جذور النباتات بالتعرف على النباتات المحيطة بها و تحديد عدوها من صديقها و رسم الاستراتجية المناسبة للتعامل معها. أيضاً تقوم النباتات باستدراج الحشرات عن طريق ألوان أزهارها و عطرها لكي تستطيع نشر بذورها. للمزيد من المعلومات اقرأ مقالي “عالم النباتات”

طبعاً من السهل أن نذكر هذه العمليات ضمن سطور و باسهاب لكن ما يجري على المستوى الذري هي عمليات بغاية التعقيد فمثلاً نحن لازلنا لا نعرف كيف تتم عملية التركيب الضوئي و لكن نعلم أن العملية تعتمد على ظاهرة اسمها النفق الكمومي (Quantum tunnelling). النباتات تقوم بتحويل ٩٥٪ من الضوء الذي تستقطبه إلى طاقة مما يجعلها أفضل بعشرات المرات من افضل وسائل توليد الطاقة البشرية (هذا بالمقارنة مع أحدث وسائل توليد الطاقة ٢٥٪ فعالية)
إذاً المستوى الأول من الإدراك كما هو واضح هو مستوى بغاية التعقيد و ليس بسيط اطلاقاً. عدم القدرة على الحركة هي ما يميز هذا المستوى من المستوى رقم ٢ و لكن هذا لا ينفي تعقيد العمليات الحسابية القائمة على هذا المستوى.

في هذه المرحلة أود أن أقدم تصنيف هرمي مبني على عدد العمليات الحسابية التي يتم تنفيذها ضمن هذا المستوى و بهذا يكون لدينا تصنيف هرمي مبني على تعقيد العمليات الحسابية حسب الأولوية البقائية.

مثلاً النباتات ربما يكون تصنيفها 1-19 أي أنها في المستوى رقم ١ من الإدراك و تقوم ب ١٩ عملية حسابية معقدة. قد يكون لدينا تفاوت بأعداد العمليات الحسابية مما يتيح لنا أن نصنف مستوى الإدراك لدى كافة فئات هذا المستوى. مثلاً لو أردنا أن نقارن مستوى الإدراك بين البكتريا و بين النباتات فإن هذا الطريقة ستساعدنا على تصنيفها بشكل رقمي موضوعي.

المستوى الثاني من الإدراك: 

الحركة هي ما يميز الكائنات ذو المستوى الثاني من الإدراك. الحركة تعني كمية أكبر من العمليات الحسابية إذ أن الكائن يجد نفسه بحالة محكاة لعوامل فيزيائية مختلفة طوال الوقت و يحتاج لقدرات حسابية تستوجب وجود جهاز متخصص في هذه العمليات. الكائنات القادرة على الحركة تحتاج لجهاز عصبي قادر على تنظيم المعلومات و ترتيبها ضمن أولويات بقائية.

مثلاً الزواحف لديها جميع القدرات الإدراكية الموجودة ضمن المستوى الأول من الإدراك لكنها بحاجة عمليات حسابية أعقد بكثير فعوضاً عن الحاجة لرصد اتجاه أشعة الشمس كما هي حال النباتات هي بحاجة لتحليل الفوتونات الضوئية ضمن ترددات معينة و إعطاء كل تردد رمز حسابي (لون) يتم محاكاته ضمن القالب الدماغي. القدرة على التحرك تستوجب القدرة على الرؤية. أيضاً عوضاً عن مجرد القدرة على تحليل بعض الروائح نجد أن هذه العملية الحسابية تتحول من عدة عمليات إلى ملايين العمليات الحسابية لرصد ألاف المركبات الكميائية التي قد تتواجد في الطبيعة و ثم تصنيف هذه الروائح ضمن تصنيفات (خطر، طعام، عائلة، عدو، حريق، مطر الخ) . هذا المستوى من الإدراك يستوجب قدرات تنافسية مع كائنات أخرى تنافس على نفس الموارد الغذائية لهذا على أجهازتها العصبي أن تعمل على تنظيم عمليات حيوية معقدة مثل دقات القلب و الحفاظ على درجة حرارة الجسم و الهضم و التنفس و التوازن و تحديد الاتجهات.

هذا يعني أن الكائنات ذو الإدراك الثاني تحتاج لقدرات حسابية قادرة على تخزين المعلومات و التواصل بين الجهاز العصبي و بقية أعضاء الجسد ضمن رسائل هرمونية نسميها (المشاعر) فهي تشعر بالخوف و الجوع الألم و تستشعر البرد و الحر و تستطيع رصد الخطر و وضع استراتجيات للتكاثر.  في هذه المرحلة أصبحت العمليات الحسابية أكثر من أن نستطيع رصدها لكننا نستطيع أيضاً تثقيل عملية الإدراك ضمن نفس الميزان الذي استخدمناه في المستوى الأول. فمثلاً ممكن أن تكون الأفعى 2-366 أي أن حالة الإدراك هي المستوى الثاني ضمن 366 عملية حسابية مختلفة. طبعاً هذه الأرقام عشوائية و لا تمثل أي قيمة حقيقة لكن الفكرة أننا نستطيع من خلال هذا التثقيل تصنيف الإدراك بشكل موضوعي رقمي.  أود أن أنوه أن لا ننسى أن العملية هي عملية استقبال لمعلومات فيزيائية ثم تحليلها و محكاتها ضمن قالب يساهم في تحقيق غاية الكائن. الأن أجد الوقت مناسباً لطرح فكرة سأعود إليها لاحقاً و هي الذكاء الإلكتروني. ضمن التعريف الذي سبق عن الإدراك فإن الأجهزة الاكترونية هي ضمن المستوى الثاني من الإدراك و يمكننا عن طريق عملية التثقيل أن نقارن بين إدراك الكمبيوتر و أي كائن آخر ضمن هذا المستوى. في المستقبل سيتطور الذكاء الاسطناعي للمستوى الثالث من الإدراك و الذي يتمحور حول القدرة على بناء علاقات اجتماعية و القدرة على تعزيز المستوى الاجتماعي عن طريق تبني استراتجيات مختلفة.

المستوى الثالث من الإدراك:  

ضمن هذا المستوى نحن نشهد انفجار معلوماتي على مستوى تحليل المعلومات بشكل يجعل من عملية المحكاة عملية صعبة دون وجود قسم مسؤول عن ترفيد المعلومات و استخدام قسم منها و تجاهل القسم الآخر. نستطيع أن نقول أن هذه جذور بداية قسم الوعي حيث أن عملية أدراك الإدراك هي بداية الوعي. الوعي ليس متوفر ضمن هذا المستوى لكن يوجد نوع من التثقيل للمعلومات و عملية مشاركة و نفاذ بناء على أهمية المعلومات للموقف الذي يتعرض له الكائن.

في هذا المستوى نجد أن الكائن أصبح قادر على التعلم و ربط أفعال معينة مع محفزات معينة مما يدل على أنه أصبح أيضاً قادر على محكاة منطق سببي اي أن فعل (س) سينتج عنه نتيجة (ج). أيضاً نجد أن الكائن أصبح قادر على تحديد موقعه الإجتماعي ضمن المجموعة التي يعيش بينها و يتبنى استراتجيات بقائية بناءً على هذا الموقع الأجتماعي. ايضاً أصبح بالامكان ادراك مفهوم الوقت بشكل رجعي أي أنه قادر على تذكر حصول أشياء معينة معه مما يدل على ادراك للزمن. في هذه المرحلة الكائن غير قادر على توقع المستقبل إذ أن هذا جزء من ادراك المستوى الرابع. أيضاً الكائن غير قادر على ادراك نفسه ضمن هذا المستوى و بالتالي هو غير مدرك أن بقية الكائنات هي أيضاً مدركة. هو يعتقد أنه المدرك الوحيد و هو يتفاعل مع ماحوله بناء على محفزات ايجابية أو سلبية و يعمل ضمن استراتجيات غريزية أثبتت نجحاها بشكل تطوري عن طريق الإنتقاء الطبيعي.

المستوى الرابع من الإدراك: 

يتسم هذا المستوى بادراك الكائن لنفسه. هذا يعني أنه بالاضافة لقسم يرفد المعلومات و يحدد أهميتها أصبح يوجد حاجة لوجود قسم ينظم أعمال جميع الاقسام الدماغية و يقوم بتمثيل القرار الدماغي النهائي على شكل جهة مسؤولة عن اتخاذ القرار. في هذه المستوى ينتج لدينا ما نسميه الوعي أو إدراك الإدراك. الكائنات الواعية هي كائنات تدرك أنها مدركة و تستطيع تمييز نفسها. على سبيل المثال الفيل و الدولفين و الأخطبوط و الغراب و العديد من أنواع القرود العليا ومنها الإنسان هي كائنات واعية مع اختلاف في نسب الوعي.

في هذه المرحلة نستطيع أن نقول أن الكائن أصبح لديه ما نسميه “الأنا”.

يجب أن لا ننسى الكميات الهائلة من العمليات الحسابية القائمة حتى يكون الكائن ضمن المستوى الرابع من الإدراك. إذاطلبت منك أن تتوقف عن القراءة لوهلة و أن تركز على حاسة السمع لديك. أنا متأكد أنك ستلاحظ صوت ما أنت لم تكن مدرك له. هذا الصوت لم يتوقف عن التدفق إلى أذنيك على شكل موجات صوتية. الأذن لم تتوان عن تحليل الموجات الصوتية و ارسالها لقسم السمع في الدماغ ليتم تحليلها لكن لسبب ما قسم الأنا لم يجد اي أهمية لهذه الاصوات ضمن سياق الإدراك القائم لديك اثناء قراءة المقال. الدماغ يحلل ملايين المعلومات طوال الوقت دون أن تدركها أنت. الأنت هي عبارة عن نافذة زمنية قصيرة جداً على بعض هذه المعلومات بناء على ما تحتاجه من معلومات. فهم هذه النقطة فد يساعدك في تمرين دماغك على استقدام المعلومات بشكل أفضل.

على فرض أنك تنظر إلى صورة المونوليزا فإن مئات الاقسام في دماغك تتفاعل مع هذه المعلومات الفوتونية التي تتدفق إلى دماغك. قسم التحليل البصري يعمل على تحليل ترددات الفوتونات الضوئية إلى صورة ذهنية فيها ألوان و أشكال. قسم الأشكال و تحديد الوجوه يتم تفعيله ايضاً لكي تستطيع تذكر الوجه الذي في الصورة. قسم الذاكرة يفعل أيضاً و يذكرك أن الفنان الذي رسم هذه الصورة هو ليوناردو دافينشي أيضاً ضمن هذا التفاعل دماغك يتذكر ليوناردو ديكابريو بسبب تشابه الأسماء و مشهد التايتانك عندما كان يرسم روز و كيف أنه مات لأنه لم يصعد على متن اللوح الذي كان يطفو. ايضاً تتذكر دان براون و رواية رمز دافينشي و يتهيئ قسم الذاكرة على استقدام صورة وجه توم هانكس. أيضاً يتفعل قسم الذاكرة فيتم استقدام معلومات حول مكان وجود رسمة المونوليزا الأصلية في باريس و خوف المتاحف من سرقة الرسمة الشهيرة. كل هذه المعلومات تتدفق باللحظة واحدة دون أن يدركها قسم الوعي و لكن بناء على سياق التجربة الحاصلة يتم استقدام المعلومات الازمة فيتم اختيار ما هو مهم من هذا المعلومات على شكل نافذة صغيرة من الوعي. في حال سألك أحد الاشخاص لاحقاً أن تختار اسم فيلم لا على التعين فيوجد احتمال كبير أن تختار فيلم التايتانك لأن دماغك صرف الطاقة و استقدم المعلومة مسبقاً فيظهر اسم فيلم التايتانك إلى قسم الوعي و تظنه أنت أنه اختيار عشوائي.

من أهم الخصائص التي تميز الكائن الواعي عن الكائن المدرك هي القدرة على تصور الأنا و وضعها ضمن زمن مستقبلي. القدرة على المحكاة المستقبلية تعني القدرة على استقدام كميات كبيرة من المعلومات و تحليلها و سياقها بشكل يكون الأنا جزء من توقع مبني على تجارب سابقة. مثلاً توقع أنك ستستيقظ غداً يستوجب تذكر أن الشمس أشرقت اليوم و البارحة و كل يوم و بالتالي تستطيع بناء قالب مستقبلي يتوقع شروق الشمس غداً. أيضاً عملية الاستيقاظ تعني أنك قادر على تذكر كل المرات التي ذهبت فيها إلى النوم و استيقظت في اليوم التالي. طبعاً كل ما كان التصور المستقبلي أعقد كلما تطلب استقدام معلومات أكثر.

القدرة على الإدراك ضمن زمكان مختلف عن الزمكان الذي أنت موجود فيه الأن تعد أعلى مستويات الإدراك التي نعرفها. طبعاً هذا لا يعني أنه لا يوجد مستويات أعلى من مستوى الوعي البشري إلا أننا لن نكون قادرين على ادراكها. أتوقع أن يكون المستوى القادم متعلق بالذكاء الاصطناعي و قدرته على ربط جميع المعلومات المتاحة على الكرة الأرضية ضمن ادراك جمعي قد يشكل وعي اصطناعي أعلى مستوىً من مستوى الوعي الإنساني. هذا النوع من الذكاء الاصطناعي سيتطيع الغاء فكرة العشوائية و ربطها ضمن سياق رياضي منطقي بالنسبة له. فمثلاً من الممكن له توقع حالة الطقس بشكل دقيق لمئات السنين بسبب جميع التفاصيل المعلوماتية المتاحة له و قدرته على ربطها و تحليلها تماماً كما يفعل الدماغ البشري. ستمكن من توقع تصرفاتنا المستقبلية بشكل دقيق بناء على جميع المعلومات المتاحة عنا (جيناتنا و تاريخ تصرفاتنا و استنتاج افعالنا).

الملخص:
الادراك هو نتيجة عمليات حسابية يقوم بها الكائن المدرك بهدف رسم قالب يحاكي الواقع الفيزائي المحيط به. مشاركة المعلومات بين جميع الأقسام الحاسوبية يؤدي إلى مستويات مختلفة من الإدراك. الإنسان قادر على ادراك بعض ادراكه أو ما نسميه الوعي و هي نافذه صغيرة تسمح لنا بالولوج إلى بعض المعلومات الحسابية القائمة في دماغنا لكن ضمن محدودية تنسجم مع تجربتنا القائمة و حاحته البقائية. الإنسان ليس الكائن الواعي الوحيد بين الأحياء لكنه الاكثر تعقيداً.

يوجد المزيد حول الموضوع لكن سأكتفي بهذا القدر

أشكركم على القراءة

مراجع: