علم نفس تطوري

الاستقرار العاطفي لدى المثليين الذكور

من أحد المشاكل التي يتعرض لها الأشخاص المثلين جنسياً (الذكور تحديداً) هي عدم الاستقرار العاطفي. الذكور المثلين لديهم توجه جنسي يجعلهم ينجذبون لنفس جنسهم وهذا مفهوم من الناحية الجنسية الدماغية لكن يوجد مشكلة لا يتم التنويه إليها وهي تتعلق بالناحية العاطفية لدى المثلين الذكور وأعتقد أنه يجب تسليط الضوء عليها أكثر.

استراتيجية التكاثر لدى الإنسان بشكل مختصر جداً:

استراتيجيات التكاثر لدى الأحياء مبنية على أساس اقتصادي مرتبط بقيمة الخلايا الجنسية والاستثمار الجيني من حيث الموارد والوقت. قيمة الاستثمار الجيني بالنسبة للكائن مرتبطة بتوفر الخلايا الجنسية والوقت والموارد المصروفة لكي ينجح التكاثر وينتج عنه مولود جديد قادر على العناية بنفسه. فمثلاً أنثى الإنسان عليها استثمار ما يقارب السنتين على الأقل من الاستثمار المباشر في انجاح عملية التكاثر.

هذا يقتضي من أنثى الإنسان أن تنتقي شريكها بعناية لأن بويضتها محدودة الكمية وعملية التلقيح تستمر لعشرات الأشهر مما يحد من حركتها ويبدد مواردها الغذائية، بينما الذكر فقط عليه استثمار القليل من خلاياه الجنسية (حيواناته المنوية) المتوفرة بكثرة وليس عليه استثمار أي وقت بعد عملية التلقيح. لهذا نجد أن الذكور ولأسباب تطورية تتعلق بقميه استثمارهم الجنسي في عملية التكاثر ينتهجون استراتيجية أساسها البحث عن أكبر عدد من الإناث ومحاولة تبادل جيناتهم معهم لأن هذا يزيد من فرصهم في نشر جيناتهم إلى الجيل القادم لكن الإناث في المقابل لديهم استراتيجية مقابلة تحد من قدرة الذكور على الانتشار وذلك لضمانة الموارد والعناية الابوية بعد الولادة من قبل الذكور.

الذكر دائماً يبحث عن شركاء جدد لكن الإناث لديهم استراتيجية مضادة توقف الذكور عن حدهم حيث لا يتم الاستثمار الجيني مع الذكر قبل أن يتم التأكد أن هذا الذكر مستعد للاستثمار معها في عناية الصغار. يعني الإناث لا يقبلون اقامة علاقة مع الذكر دون ضمانات بأن العملية ستنتج عنها علاقة أبوية تتضمنها ضمانات اقتصادية من موارد ووقت وحماية وغيرها من مستلزمات البقاء.  الزواج علاقة تعاونية استغلالية بين الذكر والأنثى فالذكر يبحث عن شريكة تبادله الجينات وتحمل بأطفاله والأنثى تبحث عن ذكر يبادلها الجينات ويساعدها في العناية بالصغار وأي خلل بهذه القاعدة يسبب خلل جذري في علاقة الزواج. النساء التي لا تنفذ هذه الاستراتيجية سينتهي بهم الأمر في ظروف اقتصادية صعبة و قد لا ينجحن في رعاية صغارهم مما يؤدي إلى انحدار عددهم ضمن المجمع الجيني لهذا نجد أن الغالبية تتأكدن من الاستثمار الأبوي قبل المبادرة في التكاثر.

استراتجية ذكرية مع استراتجية ذكرية:

بالنسبة للذكور المثلين هم على الرغم من انجذابهم للذكور إلا أن الاستراتيجية الجنسية لديهم هي نفسها. هذا يعني أنه يوجد لدينا ذكور لديهم استراتيجية تقتضي الممارسة الجنسية مع أكبر عدد ممكن من الشركاء وبالتالي يصبح من الصعب جداً اقامة علاقات عاطفية طويلة الأمد. أغلب العلاقات المثلية بين الذكور تنهار بسبب الغيرة من تبادل الشركاء لأن الغيرة الذكورية مركزة على ابعاد الشريك عن أي شريك آخر لضمانة أن الأطفال هم أطفاله في الحالات المغايرة وفي الحالة المثلية فإن هذه الغريزة لا تزال تعمل لكن من قبل الطرفين مما يسبب عدم استقرار عاطفي لدى الجميع. طبعاً هذا غير الضغوط الاجتماعية الأخرى الناتجة عن التمييز العنصري الموجه ضدهم في بعض المجتمعات المنغلقة.

النتيجة:

لهذا السبب نجد أن أكثر العلاقات العاطفية المثلية لا تتكلل بنجاح طويل الأمد وهو أمر محزن أن يتعرض إليه أي انسان. ربما فهم هذه الاستراتيجيات الجنسية وفهم آليات العمل المرتبطة بالعلاقات العاطفية المثلية قد يساعد في تجاوز بعض العقبات الناتجة عن الغيرة وبالتالي انهيار العلاقات. للمزيد من المعلومات حول غريزة الغيرة يمكنك القراءة عنها على هذا الرابط: ما هي الغيرة الزوجية؟


1: Sexual Strategies Theory: An evolutionary perspective on human matingو Buss, David M.; Schmitt, David P. Psychological Review, Vol 100(2), Apr 1993, 204-232. http://dx.doi.org/10.1037/0033-295X.100.2.204

2: Offspring: Human Fertility Behavior in Biodemographic Perspectiveو chapter 7: An Evolutionary and Ecological Analysis of Human Fertility, Mating Patterns, and Parental Investment, Hillard S. Kaplan and Jane B. Lancaster. http://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK97292/

مصطفى عابدين

مؤسس ومدير محتوى موقع علومي. باحث مهتم بالعلوم، أسعى من خلال هذا الموقع إلى المساهمة في إثراء المحتوى العلميّ العربيّ على الإنترنت بمقالات أصليّة مبسّطة، تزوّد القارئ غير المختصّ بالأساس العلميّ الذي يحتاجه لمتابعة آخر المستجدّات والأخبار العلميّة، بعيداً عن الترجمة التي في بعض الأحيان تُفقِد المحتوى العلميّ مضمونه.

أضف تعليق

انقر هنا لتضع تعليق

تعليق