في يوم من الأيام قررت أن أشتري حوض سمك. فعلاً ذهبت إلى محل الحيوانات الأليفة وانتقيت أحد الأحواض. بعد عدة ساعات من البحث والتبضع اقتنيت كل الأدوات اللازمة لتشغيل الحوض. احدى الخطوات الهامة في تشغيل الحوض هي تدوير المياه لفترة جيدة من الزمن وخفض نسبة الحموضة وازالة المواد الكيميائية مثل الكلور من الماء. هذه العملية تستغرق بضعة أسابيع من الفلترة ومتابعة نسب المواد الكيمائية واضافة ما يلزم لمعالجتها. بعد عدة أسابيع وبعد أن أضفت كل ما يلزم من مواد وبكتيريا حيوية أصبح الحوض جاهزاً لاقتناء السمك… هنا تبدأ قصتنا و التي ستكون عبارة عن سلسلة من الحلقات القصيرة عن حياة حوض السمك الذي أنشأته و الأسئلة الوجودية التي تطرحها أسماكي المتواجدة في داخل الحوض.
جميع الاسماك في الحوض هي اسماك ناطقة لديها القدرة على التحليل والتفكير بشكل قريب من الإنسان.
ذهبت للمحل واشتريت حوالي ٢٠ سمكة. عبارة عن ٥ أنواع مختلفة ٤ من كل مجموعة. وضعت الاسماك في الحوض وراقبت لحظاتها الأولى في الحوض. هربت جميعها واختبأت خلف بعض الأعشاب. مع الوقت صارت اسماكي أقل حذر وأصبحت تسبح بشكل استطلاعي لكي تستكشف عالمها الجديد. أحد أنواع هذه الاسماك يحب أن يسبح ضمن مجموعات ويخاف من السباحة المنفردة. هذا النوع اسمه “غوبي”. في أحد الايام سمعت أحد صغار أسماك الغوبي يسأل أحد القدامى ذو الزعنفة الحمراء. “لماذا نحن هنا؟”
“ماذا يوجد خارج هذا الحوض؟”
قال له ذو الزعنفة الحمراء “الجواب هو أننا لا نعرف لماذا نحن هنا أو ما هي غاية وجودنا، لكن إن سألت بقية الأسماك فلن يقولوا لك أنهم لا يعرفون. سيقصون عليك قصة الزرق” …
قال الصغير: قصة الزرق؟
ماهي قصة الزرق لم أسمع عنها من قبل… قال له: هذه قصة قديمة جداً… يقال أن منذ رمن بعيد، قبل أن يوجد هذا الحوض أصلاً كانت الأسماك تعيش في مكان واسع وكبير فيه كل ما تشتهي من طعام، لكن في يوم من الأيام قرر كبير الأسماك أن يخرج إلى اليابسة بحثاً عن المزيد من الطعام… الأسماك كانت كثيرة وأصبحت الموارد غير كافية للجميع. فعلاً خرج كبير الاسماك إلى اليابسة ويقال إنه تطور وتغير إلى أشكال كثيرة وأنجب الكثير الكثير من الابناء لكن رغم السنين لم ينسى جذوره ومازال يقدر الأسماك ويحبها. نحن اليوم هنا لأن كبير الأسماك يحبنا وهو من وضعنا هنا كتعبير لنا عن حبه وامتنانه. في المقابل يريد منا كبير الأسماك أن نرقص له بشكل محدد كل يوم ضمن الحوض. طبعاً الكبير ليس بحاجة رقصنا إنما طالبنا بالرقص لما له فوائد كبيرة علينا. الرقص هذا يمنعنا من ارتكاب الأخطاء الجسيمة مثل التهام بعض نباتاته المائية أو محاولة القفز خارج الحوض.
“الآن فهمت لماذا نرقص جميعنا كل يوم”، قال الصغير. إذاً ماذا سيحدث إن قررنا عدم الرقص؟
ارتعد ذو الزعنفة الحمراء وقال خائفاً يقال إنه في السابق عندما كانت الأسماك لا تنفذ رغبات صاحب الحوض ولا ترقص كل يوم كما ينبغي قام الكبير بسكب مادة الكلور داخل الحوض وقتل الجميع ماعدا مجموعة صغيرة جداً كان يحبها لأن لونها أزرق. يقال إن الكبير حذر الزرق قبل أن يسكب الكلور وعلمهم كيف يصنعون عازل من الكلور…. منذ ذلك الوقت والجميع ينفذ رغبات كبير الأسماك خوفاً من كلوره. طبعاً نحن أبناء الزرق الذين نجو من الكلور…
الحلقة الثانية:
في يوم من الأيام مررت بالقرب من حوض أسماكي وإذ بإحدى الصغار تسأل إحدى الكبار ماذا حدث البارحة لصاحبة الخطوط الحمراء؟
أين ذهبت؟ “لقد ماتت” قالت الكبيرة
ماتت؟ تعجبت الصغيرة:
هل هذا ما يحدث عندما نطفوا نحو السطح دون حركة؟
ماذا يعني ماتت؟ أين هي الآن؟
وجدتها تطفو نحو السطح دون حركة وثم جاء الكبير وأخذها لعنده.
قالت السمكة الكبيرة: نعم يا صغيرتي، جميعنا سيموت في يوم من الأيام…..
هل تذكرين في المرة السابقة عندما تحدثت معك عن الكبير الذي يحبنا ويريدنا أن نرقص لأجله كل يوم؟
ذاك الكبير هو من أخذ السمكة المخططة الحمراء لعنده. هي في مكان أفضل الآن. الكبير سيحاسبها على كل ما فعلت ولن ينسى كبيرة أو صغيرة. كل نبتة
مائية أكلتها. كل قطعة طعام التهمتها. كل الفضلات التي ألقتها. هو يحصي كل ذرة أوكسجين استهلكتها وكم ذرة كربون أنفقتها، هو يعلم كم سمكة أنجبت وكم بويضة أكلت…
:كله محسوب لديه ولا تخفاه خافية
الكبير يعرف كل ما نفعله في هذا الحوض. هو وضعنا فيه ليراقبنا لأنه يحبنا. “حسناً”، قالت الصغيرة… الآن من معرفتك بصاحبة الخطوط الحمراء أين تعتقدين أنها ذهبت بعد الموت؟ قالت الكبيرة يوجد خيارين…. إما إلى الحوض الكبير أو إلى قاع الجورة البيضاء المخيف… قالت الصغيرة: وما هو الحوض الكبير وما هي الجورة البيضاء؟ قالت الكبيرة هذه قصة طويلة جداً بدأت منذ زمن بعيد…. في زمن كانت فيه الاسماك تسبح دون رقيب لا تخاف ولا تخيف. كانت الأسماك حرة تستطيع أن تفعل ما تشاء لكن ضمن شرط وحيد. الشرط كان ألا تقترب الأسماك من طحالب التنوير. لسبب من الأسباب وضعنا الكبير في حوض مليء بطحالب التنوير وطلب منا ألا نقترب منها وإلا أرسلنا إلى حوضه الصغير.
الفادي:
في يوم من الأيام ولأن اناث الأسماك لا تستطعن التفكير اقتربت احداهن من طحالب التنوير ومنذ ذلك اليوم ارسلنا الكبير إلى الحوض الصغير. أصبح يراقبنا ويحصي كل ما يصير. منذ ذلك اليوم ونحن في امتحان كبير. في يوم من الأيام تحول الكبير إلى سمكة وغاص في حوضنا وسبح بيننا وحاول جاهداً أن ينورنا. لكن الأسماك الكبرى لم تستسيغ نصائحه واعتُقد أنه دجال وخطير فقامت بصيده والتهام جسده وهو حي. نعم ضحى الكبير بنفسه لكي ننجو نحن من الحوض الصغير…. قاطعت السمكة الصغيرة مستغربة…..
ضحى الكبير بنفسه لكي ينجينا من العذاب الذي كان هو سيمارسه علينا؟ أليس هذا غريب؟ قالت الكبيرة صحيح…. لقد قال لنا الكبير قبل أن يموت اعبدوني كي أنجيكم مما سأفعله بكم إن لم تعبدوني لكننا مع ذلك لم نأبه له. أدمعت عين الصغيرة من الخوف. ظننت أن الكبير يحبنا…. هذا ليس عمل نبيل. لماذا لم يغفر لنا مباشرة دون أن يتحول إلى سمكة ويغوص في حوضنا؟ هكذا جعل الأسماك تأكله لكي يضعنا في امتحان نهايته الحوض الكبير أو الجورة البيضاء المخيفة. قالت السمكة الكبيرة نعم يا صغيرتي…لكننا وكما تعلمين أسماك سخيفة. سأتبع لك القصة لكن ليس قبل أن نأكل طعام اليوم ونرقص للكبير.
الحلقة الثالثة:
اليوم مررت بالقرب من حوض السمك و إذ بإحدى الأسماك الصغار تسأل واحدة من الكبار…
أنتِ قلتِ لي أننا إذ نفذّنا ما يأمرنا به الكبير فسوف نذهب إلى جنة الأسماك “الحوض الكبير”.
هلا وصفت لي هذا الحوض الكبير؟ قالت لها الكبيرة طبعاً بكل تأكيد….
في الحوض الكبير يوجد مساحات لا منتهية من الأعشاب المائية التي لا تذبل وتتجدد كل ما أكلنا منها.
في الحوض الكبير لكل منا كهف مائي كبير فيه العديد من الأسماك الصغيرة التي خلقت خصيصاً لتلبية متطلباتنا.
أنتِ تعلمين مشكلتنا في عدم القدرة على تعديل درجة حرارة جسمنا وكيف أننا نموت إن كان الجو المحيط حار أو بارد أكثر من قدرتنا على التحمل. لكن….
في الحوض الكبير لن تخافي من هذه المشكلة بعد اليوم إذ أن درجة حرارة الجو المحيط هي دائماً مناسبة لكل الأسماك دون تمييز.
لن تخافي من أسماك كبيرة أخرى تلتهمك لأنك ستكونين شفافة بالنسبة لهم. هم يظنون أنهم التهموك وأنت تبقين في أمان..
يعني الجميع مسرور وسعيد.
في الحوض الكبير لا يوجد فضلات إذ أننا لسنا بحاجة لاستقلاب الطاقة و بالتالي الحوض الكبير خال من الفضلات و مركب الأمونيا…
في الحوض الكبير لا يوجد حرية إرادة…. لكن هذا موضوع سأتحدث عنه في حلقة آخرى…
سألت الصغيرة باستغراب: لكن ماذا عن الأسماك التي تقتات على الفضلات؟
ماذا يحدث لها؟
وماذا تقصدين ليس لدينا حرية إرادة؟
قالت لها الخبيرة، أسئلتك جميلة لكنها خطيرة ولا أفهم بما يكفي لأجيبك عليها…
هكذا أسئلة مصيريه يجب أن أسأل عليها أصحاب المعرفة في العقيدة ومن أهمهم السمكة ذو الزعنفة السوداء العميقة.
يجب أن تنبهي يا صغيرتي لأن بعض الأسئلة قد تؤدي بك إلى الحوض الأبيض المخيف حيث تذهب الأسماك الغير مطيعة.
أنا لا أعرف كل الأمور؟ يجب أن نترك العلم لأصحاب العلم.
قالت الصغيرة: يبدو الحوض الكبير رائع جداً ومناسب تماماً وتحديداً لمتطلبات الأسماك فماذا يحدث لبقية الكائنات مثل الضفدع أو الحلزون أو النباتات؟ هل كل هذا الوجود هو لأجلنا؟
قالت لها الخبيرة: أسئلتك خطيرة….
لكن لا بأس لأن ديننا دين الأسماك يحث على العلم والبحوث التي لا تتناقض مع أفكارنا.
ديننا يحثنا على البحث وتأكيد أفكارنا المسبقة بالدلائل والبراهين.
الأحياء الأخرى مثل الضفادع والطحالب والحلزونات كلها وضعها الكبير لخدمتنا.
منها من يقدم لنا وجبة غنية من البروتين و منها من يعدل المنسوبات الكيمائية في الحوض عن طريق افرازات حيوية أخرى و آخرون موجودون للإضافة جمالاً و رونقاً لحوضنا الجميل.
لكن قولي لي، سألت السمكة الصغيرة….
كيف نذهب إلى الحوض الكبير؟ قالت لهت الخبيرة:
بسيطة جداً عليك اتباع أركان دخول الحوض الكبير الأربعة وهي:
١- أن ترقصي للكبير صاحب الحوض كل يوم
٢- أن لا تأكلي من منظم الطعام الإلكتروني قبل الكبار وأن تتركي لهم نصف حصتك كل يوم
٣- أن تطيعي السمكة ذو الزعنفة السوداء العميقة طاعة تمامة وأن تفعلي كل ما تأمرك به
٤- أن تؤمني بأن هذا الحوض ليس إلا مرحلة مؤقته قبل الفوز العظيم والانتقال إلى الحوض الكبير.
سألت الصغير: وماذا إن لم أنفذ أو أقتنع بهذه الأركان؟
عندها يصبح لحمك وجبة سريعة لبقية الأسماك ويأكلوك وأنت حية.
يأتي الكبير (صاحب الحوض) ويأخذك لعنده بشبكته الزرقاء المهيبة.
يرسلك في رحلة عبر الحوض الأبيض المخيف حيث تأتيك أسماك مخيفة لم تريها في حياتك لتعذبك إلى الأبد….
فما رأيك أيتها الصغيرة، سألتها الحكيمة؟
قالت الصغيرة: أنا أشكر الكبير الذي وضعني في هذا الحوض حيث السمكة ذو الزعنفة السوداء العميقة. أشكره على هذه النعمة وأتمنى لجميع الأسماك إدراك هذه الحقيقة الساطعة كضوء النيون المعلق فوقنا هذا. في المرة القادمة حدثيني عن حرية الإرادة في الحوض الكبير…. أشعر وكأنها قصة مثيرة…
حسناً…قالت لها الخبيرة…
يتبع….
أضف تعليق