علم نفس تطوري

عن الأنا والروح والدماغ

استيقظت في صباح يوم الثلاثاء، سألت نفسي: «كم هي الساعة الآن؟» نظرت إلى الساعة المجاورة لسريري: «جيّد، مازال لديّ بعض الوقت، أستطيع أن أنام عشر دقائقٍ إضافيةٍ». ذهبت في عالم الأحلام، لم تكن لديّ مشكلةٌ منطقيّةٌ في انتقالي بدقائقٍ قليلةٍ من سور الصين العظيم إلى الأهرام في مصر وكلّ هذا لم يؤثر على أدائي كمدرسٍ للفيزياء في جامعة دمشق. بدأت أسمع صوت مطحنةً للقمح قريبةً من مكتبي. نعم صوت المطحنة عالٍ ولا أستطيع التركيز، صوت المطحنة منتظمٌ وحادٌّ. لا، إنَّه المنبّه مرةً ثانيةً. يجب أن أنهض وأتجه إلى عملي.

عندما سألت نفسي عن الوقت، لماذا كنت أخاطب نفسي؟ ألست مدركًا أنّني استيقظت وأريد معرفة الوقت؟ لماذا عليَّ أن أطلب من نفسي أن أعرف الوقت؟ ألم تنظر عينيَّ إلى المنبه ورصدت كم هي الساعة بالضبط؟ المفروض أنني أعلم الوقت الآن ولا حاجة لأن أستفسر من نفسي عن الوقت؟ عندما قرّرت أن أعود للنوم لعشر دقائقٍ اضافيةٍ، من كنت أخاطب ولما عليّ أن أقنع نفسي بالعودة للنوم؟ لماذا في بساطةٍ لا أقرر العودة إلى النوم دون أن أخبر نفسي بذلك؟ ألست أنا من قرر العودة إلى النوم؟ عندما انتقلت إلى الصين وثم مصر وبعدها سورية. لماذا لم أتوقف عند المغالطة المنطقية التي تخالف جميع قوانين الفيزياء؟ أنا لست مدرس فيزياءٍ، لماذا لم أجد الموضوع غريبًا أنني فجأةً أصبحت مدرسًا للفيزياء؟ لماذا ربطت صوت المطحنة مع صوت المنبه؟ عندما استقيظت هل أنا نفسي الذي اقنعت نفسي بالعودة للنوم من عشر دقائقٍ؟ لماذا هذه المرة قررت أن أذهب إلى العمل عوضًا عن النوم ولمَ لم أحاول اقناع نفسي من جديدٍ؟ سنعود لهذه القصة لاحقً…

الحديث عن الروح والأنا هو حديثٌ منقوصٌ إن لم نفسر العمل الدماغي وشرح ماهية العقل. لفترةٍ قريبةٍ جدًا كان الدماغ وآليات عمله من أكثر الأقسام غموضًا في جسم الإنسان. اليوم أصبح لدينا فكرةٌ جيدةٌ عن كيفية العمل الدماغية وعن القوالب التي يبنيها الدماغ ليستطيع التعايش مع محيطه. من بعض نتائج العمل الدماغي وَهْمي الأنا وحرية الإرادة وثم يتبعها بالنتيجة وهم الروح. سأحاول في هذه المقالة تفسير العمل الدماغيّ بعيدًا عن التعقيد التقني، ثم سأفسر لماذا شعورنا بأننا نحن من يصيغ قراراتنا هو مجرد وهمٍ ونتيجةٌ دماغيةٌ بحتةٌ. بهدف وضع القارئ على الطريق الصحيح في فهم الظواهر الدماغية، وتوضيح بعض النقاط حول موضوع الروح والأنا، ولماذا هما مجرد وهمٍ.

تاريخ الدماغ

منذ بزوغ الحياة المتعددة الخلايا، وجدت الأحياء نفسها في منافسةٍ شديدةٍ على الموارد فيما بينها. هذه المنافسة ليست فقط متعلقةً بالعثور على الموارد، ولكنها أيضًا مرتبطةٌ بأن لا يصبح الكائن مورد غيره، فقد وجدت هذه الأحياء نفسها ضمن بيئةٍ فيزيائيةٍ معينةٍ تحكمها عواملٌ طبيعيةٌ ثابتةٌ تقريبًا: ضوء ينعكس على مادةٍ، أمواجٌ صوتيةٌ تنتشر على شكل اهتزازاتٍ في الهواء، جزئياتٌ كيميائيةٌ طيّارة بشكل روائحٍ، الكتروناتٌ تعطي انطباعًا عن ملمس المادة.. إلخ.

تتفاعل الكائنات الحيّة مع الواقع بشكلٍ أفضلٍ كلّما زادت قدرتها على رسم نموذجٍ يحاكي الظواهر الفيزيائية كما هي، وقد شكّل هذا ضغطًا تطوّريًا على الكائنات التي لم تستطع رسم نماذجٍ دقيقةٍ للواقع، وبدأت الكائنات بالتنافس أكثر فأكثر. كلّما طورت خصائصًا أفضل لرسم الواقع كلما زادت الفرص في البقاء. مع الوقت أصبح وجود أقسام مسؤولةٍ عن استشعار الظواهر الفيزائية شرطًا اساسيًا في البقاء. الكائنات التي لم تتطوّر في اتجاه تطوير وسائلٍ لرصد الفوتونات أصبحت أقل حظًا من الكائنات التي تستطيع استشعار اتجاه مصدر الضوء، وهكذا، حتى أصبح لدينا كائناتٌ لديها أجهزة استشعارٍ معقدةٍ قادرةٍ على رصد العديد من الظواهر الفيزيائية.

لكي نفهم آليات عمل الدماغ، علينا أن ننظر إلى تاريخ تطوّره، فمن دون فهم هذا التاريخ لن نستطيع تحديد أقسامه ووظائفه. فكلما عدنا إلى الوراء نجد وظائفًا أكثر بدائيّةً، لأن التطوّر الدماغي يتم بحيث تكون أقسامه السابقة أساسًا للأقسام اللاحقة. من هنا أودّ أن أحفّز القارئ لأن يذهب معي برحلةٍ قصيرةٍ إلى داخل الدماغ، لكي نفهم طبيعة هذه الكتلة العصبية التي تعطينا انطباعًا وكأن لنا كيانًا منفصلًا قادرًا على اتخاذ القرارات وقيادة مركبةٍ بيولوجيةٍ نسميها الجسد. لابد من فوائدٍ بقائيّةٍ لهذا الوهم، لنذهب داخل الدماغ البشري، خالق الأنا والروح ..

دخلت مركبتي الذريّة التي ستمكنني من التحرك ضمن أقسام الدماغ البشريّ. سألتقي مدراء الأقسام الدماغية وأسألهم عن أقسامهم وأفهم كيف تعمل هذه الأقسام مع بعضها البعض. سأبحث خلال رحلتي عن الروح، وأدرس كيف تتفاعل مع الدماغ وسأعمل على حلّ لغز «الأنا».

انطلقت مركبتي الصغيرة من خلال النخاع الشوكيّ باتجاه الدماغ في الرأس. وجدت لافتةً مكتوبٌ عليها: Welcome to the Brain. نزلت من المركبة وقابلت موظف الإستقبال، سألته: «أين أنا الآن؟ أعلم أني في الدماغ، لكن ما هو هذا القسم؟».
قال: «أنت في جذع الدماغ Brain stem! قسمنا موجودٌ أسفل الدماغ، وهو أقدم أقسامه وأوّل ما نشأ منه، وهو بوّابة التواصل بين أقسام الدماغ العليا وبقية أقسام الجهاز العصبيّ المنتشرة في الجسم».
سألته: «ماذا تعني أولّ الأقسام؟ أخبرني أكثر عن تاريخ قسمكم ووظائفه»
قال: « عندما بدأت الحيوانات بالحركة عن طريق العضلات، كان لابدّ من وجود ما يتحكم بحركة هذه العضلات بما يتناسب مع هدف الحركة، وقد تطلّب هذا وجود قسمٍ ينسّق الحركات ويؤقّتها كي تكون الحركة ذات فائدةٍ للجسم، فمع تكوّن العضلات بدأت تتشكل أنواعٌ جديدةٌ من الخلايا: خلايا تستطيع استشعار الظواهر الطبيعية الخارجية، وخلايا تستطيع التواصل داخل الجسم وإرسال الرسائل والأوامر لتنظيم الحركات. جميع الوظائف الأساسية لبقاء الجسم على قيد الحياة هي من مسؤوليات قسمنا: قسم جذع الدماغ، فنحن نملك مليارات الخلايا العصبيّة ولا نتوقف عن العمل اطلاقًا. حتى أنّ توقّف قسمنا عن العمل يؤدّي إلى موت الجسم مباشرة، كما أنّ قسمنا مسؤولٌ عن تنظيم دقّات القلب والتنفس والهضم والمضغ وردات الفعل اللا إرادية مثل التقيّؤ وغيرها من الوظائف الأساسية الضروريّة لاستمرار الحياة. قسمنا أيضًا مسؤولٌ عن تنظيم المشاعر الأساسية مثل الجوع والعطش والخوف، وبسبب موقع قسمنا الاستراتيجي، فإن جميع الإشارات الآتية من الجسم تمرّ عبر قسمنا، كما تمر عبره جميع الأوامر الخارجة من الإدارة باتجاه الجسم».
سألت: «ماذا تعني موقعكم الاستراتيجي؟»
فأجابني: «نحن أوّل الأقسام الدماغيّة التي تطوّرت عند الأحياء، لذلك موقعنا هو الأقرب إلى النخاع الشوكيّ، فكلما صعدت إلى الأعلى، ستكتشف أقسامًا حديثةً وخصائصًا معقدةً أكثر. قسمنا هو في قاعدة المخّ ويصل أقسام المخّ مع النخاع الشوكيّ. إن أردت، راقب مراحل تشكلّ جنين الإنسان وستشاهد كيف يبدأ تشكّل قسمنا أولًا وثم تبدأ الأقسام الأخرى بالتشكّل فوقه إلى أن يأخذ شكل الدماغ المتعارف عليه، ففي المراحل الأولى من التكوّن الجنينيّ يتخذ قسمنا شكلًا متطابقًا مع جميع الكائنات الحية الأخرى. ففي النهاية جميع الأحياء تحتاج من ينظم دقّات قلبها ونسبة ضغط الدم وإدارة عملية الهضم وغيرها من الوظائف الأساسية؛ يُسمي البعض قسمنا باسم “قسم الزواحف”، نسبةً لنشوئه عند الزواحف أولًا، وطبعًا نحن لا نكترث لما يجري في الأقسام العليا ومشاكلهم».
سألته: «ماذا تعني بقولك: لا نكترث لما يجري في الأقسام العليا؟».
قال: «نحن لا نكترث مثلًا لما يجري في الأقسام الأحدث من الدماغ التي تتعلق بالأحاسيس والإرادة وغيرها، فنستمرّ في تنظيم عمليات التنفس والهضم وضغط الدم مهما كان شعور المرء الكائن، وفي بعض الأحيان تأتينا إشارات استغاثةٍ من أحد أقسام الجسم، مثلًا عند تعرض الجلد لحرارةٍ مرتفعةٍ بشكلٍ مفاجئٍ، وبحكم خبرتنا الواسعة، نقوم بإرسال إشاراتٍ للعضوالذي يتعرض للحرارة بما يتوجب فعله مباشرةً دون العودة إلى الإدارة العليا، إذ لا يكون لدينا وقتٌ نضيّعه في الروتين الإداري».
قلت: «شكرًا لك على وقتك. أين يتوجب أن أذهب الآن؟».
قال: «عليك الذهاب إلى قسم المخيخ cerebellum، فهو خلفنا مباشرةً».
قلت ممتنًا: «حسنًا شكرًا لوقتك». ثم صعدت إلى الأعلى عن طريق السيالة العصبية فرأيت شاخصةً تقول: «أهلًا وسهلًا، هنا قسم المخيخ، حيث يتعلم الأطفال ركوب الدرّاجة». هبطت من مركبتي واقتربت من مسؤول الإستقبال في قسم المخيخ وقلت له: «أنا هنا لأتعرف على قسمكم!». رد قائلًا: «أهلًا وسهلًا، سأخذك بجولةٍ داخل القسم، لكي تتعرف عليه. عمومًا، نحن قسم تنسيق الحركة الإرادية في الجسم. كالوقوف والتوازن والمشي وكلّ ما يتعلق بالحركة. فنحن من يقوم بتحريك العضلات أثناء السير أوالسباحة أوقيادة السيارة أوالأكل. نتلقى أوامر الحركة من عدّة أقسامٍ في الدماغ ونخزّن هذه الحركات ضمن الذاكرة».
سألته: «هل هذا هو سبب الشاخصة عند المدخل التي تقول (هنا يتعلم الأطفال ركوب الدرّاجة)؟»

قال: «نعم، إنه شعارنا. فنحن مركز الذاكرة الحركية. جميع الحركات التي نقوم بها نضعها في أرشيفنا لكي يسهل علينا استخدامها مجددًا. مثلًا عند تناول الطعام قسمنا هو من ينسّق الحركات لكي تتم العملية بنجاحٍ عند السباحة أو ممارسة الرياضة أو قيادة السيارة. قسمنا يأخذ المسؤولية في تنفيذ الحركات دون تأثيرٍ من مركز الإدارة.

قلت له: «هل يمكن لقسمكم بالتعاون مع قسم جذع الدماغ ابقاء الجسم حيًا دون مساعدة بقية الأقسام الأخرى؟».

ابتسم قائلًا: «لا، ليس بالضرورة، قد يبدو لك هذا لكن الأمر يتعلق بنوع الكائن الذي نتحدث عنه، لربما كان ماتقول ممكنٌ في مرحلةٍ من مراحل تطوّر الحياة، لكننا اليوم نعيش في واقعٍ تنافسيٍّ كبيرٍ ونحتاج جميع الأقسام الأخرى، فلا تتسرع بالحكم. كل قسمٍ من أقسام الدماغ ذو أهميّةٍ ويعمل على الحفاظ على الجسم حيًا. إنّ المقولة القائلة بأنّ الإنسان لا يستخدم سوى ٢٠٪ من دماغه، نعتبرها اهانةً للعمل الشاق الذي نقوم به جميعًا، فلا مكان للعاطلين عن العمل بيننا».

سألته: «هل تأخذون قسطًا من الراحة أم أنكم تعملون بشكلٍ مستمرٍ مثل قسم جذع الدماغ؟».

أجاب: «عند نوم الجسم تأتي الأوامر بفصل قسمنا عن العمل وابقائه في حالة متابعة، فالإدارة لا تريدنا أن نقوم بتنفيذ ما يحدث أثناء الحلم من حركاتٍ. تنفيذ حركات الحلم قد يكون خطرًا، فمثلًا القفز من السرير، أو ركل الكرة أثناء النوم، لهذا نضع القسم في حالة متابعة إلى أن تأتي الأوامر بالاستيقاظ. وعند الاستيقاظ، يرسل لنا قسم الإدارة إيعازًا بالإقلاع والبدء بتنفيذ الحركات الواردة الينا.. وبما أنك سألتني أيضًا عن موضوع النوم، فقسم الإدارة يفصل قسم المنطق أثناء النوم، وهذا، لكي لا تستنفر بقية الأقسام في حال تخيّل قسم الذاكرة البصرية بعض الأمور الغير منطقيةٍ.. هل تريد أن تسمع طرفةً؟».

قلت له: «تفضل!».

قال: «في بعض الأحيان، وبسبب النوم العميق والإرهاق العامّ، يتأخر قسمنا في الإقلاع عند مرحلة الاستيقاظ. فيرسل لنا قسم الإدارة أوامرًا بالحركة، فلا نستطيع تنفيذها مباشرةً، وفي هذه الحالة يشعر قسم الإدارة بالذعر وتستنفر مديرية اللوزة Amygdala في جذع الدماغ. إذ أن أوامر قسم الادارة لا تلقى من يستقبلها. وفي هذه الحالة نسمع ضجيجًا ورسائل استغاثةٍ من هنا وهناك، وتعلن جميع الأقسام حالة الطوارئ. ستتعرف على بقيّة الزملاء بعد قليل. آه، بالمناسبة، سمعت أنهم يعتقدون في العالم الخارجي أنّ سبب عدم الاستيقاظ هو جنيّ أو غول يجلس على الجسم ويمنعه من الحركة. يسمون هذا الجنيّ الجاثوم، لكن واقع الأمر هو أنّ قسمنا لم يقلع في الوقت المناسب، والاسم الصحيح لهذه الحالة هو شلل النوم Sleep Paralysis».

قلت: «جميلٌ، أين موقعنا الآن بالنسبة للمراقب الخارجيّ؟».

قال: «نحن في مؤخرة الرأس في الأسفل».

قلت له: «شكرًا على وقتك. إلى أين تنصحني بالذهاب الآن؟».

قال لي: «محطّتك القادمة تقع في الطابق الثاني. عليك أن تذهب إلى قسم المِهاد Thalamus ».

انطلقت نحو الأعلى حتى وصلت المِهاد أو مايسمى أحيانًا بالسرير البصري، وهو يقع فوق الفم تقريبًا في مركز الرأس. نزلت من المركبة وتفحصت المكان. إنّها غرفةٌ كبيرةٌ بشكلٍ بيضويٍّ، مليئةٌ بالوصلات الدماغيّة. وظيفة المِهاد توزيع المعلومات بين جميع الأقسام في الدماغ، فهو يشبه مركز السنترال الخاصّ بالهاتف، مليءٌ بالوصلات والشبكات. قابلت المسؤول عن القسم وسألته عن مهام قسمه، فقال لي: «أحد أهم مهامنا هو توزيع المعلومات بين الأقسام، إذ علينا تحديد الأولوية في توزيع المعلومات: من يعلم بماذا ومتى. مثلًا، عندما تأتي إشارةٌ بصريةٌ مصحوبةٌ مع إشارةٍ سمعيةٍ، علينا توزيع هذه الاشارة إلى جميع الأقسام المسؤولة عن تحليلها ثم نقل النتيجة لقسم الادارة والإدراك.

قلت له: «يبدوعملًا في غاية الأهمية، لكن ماذا يوجد في المنتصف؟ يبدو وكأنّه سلّمٌ ينزل إلى الأسفل. ماذا يوجد هناك؟».

قال لي: «تعال معي كي ترى. هذا قسم الوطاء (تحت المِهاد) Hypothalamus، هنا يتم انتاج هرمونات التحكم بالجوع والعطش ودرجة حرارة الجسم، والتحكم بالعواطف والأنشطة الجنسيّة. يتم هنا أيضًا التحكم بالنموّ والحبّ والإعجاب والخوف وأغلب المشاعر التي يشعر بها الإنسان».

قلت متعجبًا: «كل هذا يحدث من خلال هذا القسم الصغير؟».

قال: «نعم، هنا تتواجد الغدّة النخاميّة Pituitary gland التي تعمل على إنتاج الهرمونات، وهذه من أهمّ وسائل التواصل بين الدماغ وبقيّة الأعضاء».

سألته: «إذًا ما الفرق بين الهرمونات والسيالة العصبية؟ أليست السيالة العصبية مسؤولةٌ عن إرسال الاشارات بهدف التواصل؟».

قال لي: «صحيحٌ، نحن نستخدم السيالة العصبية للرسائل المستعجلة ذات التأثير السريع، بينما نستخدم الهرمونات في حالات التواصل الأكثر استقرارًا والتي تحتاج أثرًا طويل الأمد، بين عدّة ساعاتٍ إلى عدّة أسابيعٍ. لكن كِلا الهرمونات والسيالة العصبية هي وسائل الجهاز العصبيّ في نقل المعلومات».

دخلت داخل غرفة الغدة النخامية. هي موجودةٌ تقريبًا خلف العيون في مركز الرأس. ووجدت مصنعًا كيميائيًا كاملًا، تقدّمت إلى الداخل وسألت المسؤول عن الأدارة: «أرجو أن تخبرني عن عمل الغدة النخامية!».

قال لي: «أهلًا بك في الغدة النخامية، نحن بشكلٍ عامٍ جزءٌ من قسم الهيبوثلاموس نتحكّم وننظّم بقيّة الغدد في الجسم عن طريق إفراز الهرمونات. من هنا يتم التحكّم بالغضب والحبّ والحزن والقلق وغيرها من المشاعر. قسمنا أيضًا يقوم بتنظيم دورة النوم والاستيقاظ. نحن نفرز الهرمونات من خلال هذا الوعاء الدمويّ الذي تراه أمامك لينتشر الهرمون المراد توزيعه داخل الجسم عبر الدورة الدمويّة وينقل المعلومات لبقيّة الغدد وأعضاء الجسم عن ما يتوجّب فعله».

قلت له: «هل تقصد أنّ الحبّ يصنع هنا؟».

قال لي: «نعم .. هل ترى هذا الوعاء الأزرق؟ هنا لدينا مخزونٌ من الأوكسِتوسين Oxytocin . هذا الهرمون هو هرمون التعاطف الإجتماعيّ والحبّ. طبعًا لا نقوم بإفرازه إلا عند الحاجة وقيام الجسم بأعمالٍ اجتماعيّةٍ ايجابيّةٍ. يطول الحديث عن الحبّ».
شكرته على حسن الضيافة وسألته: «إلى أين أتّجه الآن؟».

قال: «حسنًا، أنت موجودٌ الآن في الهايبوثالاموس، يجب عليك التوجه إلى الأعلى. وجهتك القادمة ستكون وجهةٌ معقدةٌ بعض الشيء. سوف تزور أكثر أقسام الدماغ تعقيدًا وأكثرها عملًا».

قلت له: «وأين هذا القسم؟».

 قال: «فوقنا مباشرةً، عليك الذهاب إلى قسم المخ Cerebrum».

عدت لمركبتي وتحرّكت باتجاه المخّ، ولاحظت أنّ هذا القسم كبيرٌ جدًا ويتألّف من جناحين منفصلين. جناحٌ أيمن وجناحٌ أيسر. جاءتني موظفة الإستقبال مرحبّةً، فسررت للمساوة في الوظائف بين الإناث والذكور. فسألتها: «أين يقع المخّ بالضبط؟».
قالت لي: «انت الآن على مستوى العين بشكلٍ دائريٍّ حول الرأس، كما تلاحظ، المخ مقسوم إلى نصفي كرتين مخيتين: يمنى، ويسرى..».

 قاطعتها: «نعم، لاحظت ذلك، لكن لماذا هذا الفصل؟ لماذا يمينٌ ويسارٌ؟ لماذا لا يكون قطعةً واحدةً؟».

قالت لي: «هذا الفصل نتيجة تطوّر الأحياء بطريقةٍ متناظرةٍ ضمن قسمين بشكلٍ عامٍ. إذ نجد الأحياء في الطبيعة قد تطوّرت أجسامها لتأخذ أشكالًا متناظرةٍ، إمّا بشكلٍ شعاعي Radial symmetry، حيث نستطيع قسم أيَّ جزءٍ منها كما تقسم قرص البيتزا، فنحصل على جزءٍ يطابق بقيّة الأقسام. أو بشكل ثنائي جانبي Bilateral symmetry . أي تناظر الجسم على جهتين: يمينٍ ويسارٍ، وقد تطوّرت أدمغة الكائنات ذات التناظر الثنائي الجانبي بحيث يكون المخّ أيضًا مقسومٌ  إلى قسمين، أيمن وأيسر. لكن في الواقع، القسمان ليسا منفصلان وإنّما متّصلان بهذا الجسر في الوسط».

سألتها: «وما الحاجة لهذا الجسم في الوسط؟».

قالت لي: «هذا الجسم الثفني Corpos collosom، ووظيفته ربط القسمين مع بعضهما البعض. وهو مهمٌ جدًا، إذا أنّه ينقل المعلومات بين القسمين لبناء أفضل نتيجةٍ ذهنيةٍ ممكنةٍ. في بعض الحالات، عندما يُصاب الجسم الثفني بضررٍ ما، لا نستطيع أن نعلم ما يجري بين الأقسام، وبالتالي قسم الإدارة تصله إشارات متضاربةَ. بالمناسبة، في أسفل الجسم الثفني توجد غرفةٌ صغيرةٌ لكنها مهمةٌ جدًا اسمها النواة القاعدية Basal ganglia وهي المسؤولة عن تنظيم الحركة بالتعاون مع قسم المخيخ، فهما يسيطران على أغلب الأعمال الحركيّة في الجسم».

قالت لي: «حسنًا قسمنا معقدٌّ كثيرًا وعلينا البدء. سمعت أنّ هدف رحلتك البحث عن الأنا، صحيحٌ؟».

قلت لها: «نعم هذا صحيحٌ..».

قالت: «حسنًا سأنهي الجولة في قسم الأنا لكي تتعرف عليه جيدًا.. القسم الأيسر عمومًا، مسؤولٌ عن الأعمال الحسابيّة مثل الرياضيّات والمنطق والنطق وغيرها. بينما نجد وظائفًا مثل تمييز الوجوه والأشياء والإبداع وفهم اللغة موجودةً في القسم الأيمن.. انظر هنا، هل ترى هذه الغرفة التي شكلها مثل شكل حبّة البندق؟ هذه تسمى اللوزة الدماغية Amygdala ويوجد لدينا منها واحدةٌ في كلّ فص (أيمن وأيسر)، وهي مسؤولةٌ عن تقييم أيّ إشارات خطرٍ قادمةٍ من الخارج وتعمل كجهاز استشعارٍ للخطر. لن أعقد لك الأُمور كثيرًا إلّا أنّ اللوزة الدماغية تختلف بين الذكور والإناث من حيث الحجم وأيضًا بعض الوصلات الداخليّة فيها تكون مختلفةً بناءً على التوجّه الجنسيّ».

فجأة سمعنا صوتًا عاليًا: إنذار إنذار إنذار..

سألت المسؤولة المرافقة لي: «ماذا يحدث؟».

قالت: «هذا انذار: القتال أو الهروب! يبدو أنّ شيئًا ما حدث في الخارج!».

في الخارج .. كنت أمشي في الشارع، فجأةً أسمع صوتًا قويًا بالقرب مني فقفزت من مكاني خوفًا من الصوت، ثم اكتشفت أنّ الصوت صادر عن عادم إحدى السيارات القريبة، ولا شيء خطرٌ في الأمر.

لنلقي نظرةً على التفاعلات التي حدثت. في البداية، استشعر الجهاز العصبيّ الرئيسيّ الصوت المفاجئ عن طريق حاسّة السمع، فأرسل سيالةً عصبيةً مستعجلةً إلى قسم الوطاء Hypothalamus فحواها: «سمعت صوتًا عاليًا!».

أرسل قسم الوطاء رسالةً مباشرةً إلى اللوزة الدماغية Amygdala حيث نحن متواجدون. وفي نفس الوقت يقوم القسم المركزيّ الدماغيّ بسؤال بقيّة الأقسام: «هل لدى أحدكم ايّ تفسيرٍ منطقيٍّ لهذا الصوت؟ مصدره؟ اتّجاهه؟ لماذا الصوت أعلى من المعتاد؟ هل سماع هذا الصوت أمرٌ طبيعيٌ حسب البيئة المحيطة؟»، فيأتي الجواب من جميع الأقسام: «لا يوجد ربطٌ منطقيٌّ بين الصوت وبين جميع البيانات المتوفّرة لدينا».

فيتّخذ قسم الوطاء الدماغيّ مباشرةً تدابيره المتعلقة بالخطر (هذا يعني أنّ الجسم يحتاج للطاقة بشكلٍ سريعٍ وفوريٍّ لكي يستطيع التفاعل مع الخطر بشكلٍ مناسبٍ).

عادةً ما يتعامل الدماغ مع كلّ ما هو مجهولٌ على أنّه ظرف (خطرٍ) على أساس قاعدة “الحذر واجبBetter safe than sorry”، ويرسل برسالةٍ مستعجلةٍ إلى الغدّة الكظريّة عن طريق إفراز هرمونٍ إسمه ACTH. بمجرّد ارتفاع نسبة هذا الهرمون في الدم يعرف فريق الغدة الكظريّة أنّ عليهم العمل بنشاطٍ أكثرٍ لأنّ الجسم بحاجةٍ لحرق كمياتٍ كبيرةٍ من السكّر. يبدأ فريق الغدّة الكظريّة فورًا بإنتاج هرمونٍ اسمه كورتيزول وهو مسؤولٌ بشكلٍ أساسيٍّ على استقلاب النشويّات المخزّنة في الجسم إلى سكريّاتٍ (وقودٍ) لكي تستطيع خلايا الجسم من حرق السكّر والقيام بجميع الأعمال الموكّلة إليها من قبل الدماغ.

في نفس الوقت في مكانٍ آخرٍ في الجسم، فعّل قسم اللوزة الدماغية استراتجيّة “القتال أوالهروب” عبر إعطاء الأوامر بإفراز كمياتٍ كبيرةٍ جدًا من الأدرنالين إلى الدورة الدمويّة (300 ضعف المعدل الطبيعيّ). فتتفاعل عضلة القلب مع الأدرنالين وتزيد من عدد النبضات مما يرفع ضغط الدم ويسهّل وصول أكبر كميّةٍ من الدم إلى جميع الأنسجة العضلية. الأدرنالين يحفّز الكبد على إفراز كميّاتٍ كبيرةٍ من السكر لكي تستخدمها العضلات في سياق تنفيذ استراتجية (القتال أوالهروب). مباشرةً وكجزءٍ من ميكانكيات “القتال والهروب” يتوسّع بؤبؤ العين لإدخال كميّةٍ أكبر من الضوء ليتسنى للدماغ أن يرسم صورةً أفضل لما يجري من حوله ويستطيع استقصاء نوع الخطر المحدق.

بعد ارتفاع نبضات القلب أصبحت الدورة الدموية تهدر في الجسم والكريّات الحمراء التي تحمل السكر تتسابق في إمداد الخلايا المتواجدة على الخطوط الأماميّة للأنسجة العضليّة من الذخيرة السكريّة الكافية لحرقها في حال اطلق الدماغ الأوامر.

بعد مرور ثانيةٍ تقريبًا.

استطاع الدماغ القسم المركزيّ تحديد نوع الخطر، إذ أن بعض الخلايا الدماغيّة التي تعمل في قسم الذاكرة وجدت ملفًا سابقًا ينص على أنّ هذه التجربة سبق وحصلت في الماضي، وأنّ النتيجة حينها كانت سليمةٌ ولا داعي للذعر. أما قسم المنطق في الإدارة، فقد ربط بين مصدر الصوت ووجود باصٍ أخضر اللون مع رائحة دخان الوقود في الجوّ، واستنتج أنّ الصوت لا يشكل خطرًا وإنّما هو مجرد فرقعة صدرت عن عادم السيارة!
حسنًا أنه انذارٌ خاطئٌ، لذا يبدأ الدماغ بإستراتيجية ما بعد (القتال أوالهروب). كميّة الكورتزول المرتفعة في الجسم تعني أنّه على الجسم تعويض الطاقة التي تم صرفها ضمن القتال أوالهروب. تبدأ عمليّة التعويض من خلال إفراز هرمون الأنسولين الذي بدوره يحلّل كميّة السكّر العالية في الدم إلى دهونٍ لإعادة تخزينها في الجسم. بالإضافة لذلك يقوم الدماغ بإفراز هرمون (لبتين). هرمون لبتين مسؤولٌ عن التحكّم في شعور الجوع والشبع. الجسم يريد أن يعوّض ما خسره من دهونٍ فلذلك يرسل الأوامر للجهاز الهضميّ أن يتهيّء للأكل ووضع الجسم في حالة الجوع. كما يقوم الدماغ أيضًا بإجراءٍ احترازيٍّ بإعطاء أوامرٍ بتقنين الطاقة ووضع الجسم في حالةٍ من (الخمول) إلى أن يأتي الطعام.

قلت للمسؤولة المرافقة: «لقد كنت محظوظًا إذ شاهدت عمل أقسام الدماغ، ولكن أرجو أن تشرحي لي باختصارٍ عن بقيّة الأقسام، لأنّ مازال عليّ أن أتعرف على قسم الأنا والوقت يتدراكنا».

أجابت بهدوء: «باختصارٍ شديدٍ، يوجد لدينا قسم الحُصين Hippocampus، وشكله يشبه حصان البحر. هذا القسم مسؤولٌ عن تخزين الذاكرة طويلة الأمد، ففي حال تعطل هذا القسم، يخسر الجسم كافة البيانات المتعلقة بالذاكرة طويلة الأمد وخصوصًا البيانات المتعلقة بالأحداث وليس الحركة، إذ عندها، يحافظ الجسم على ذاكرته الحركيّة لأنّها تتعلق بقسم النواة القاعدية Basal Ganglia والمخيخ Cerebellum، لكنّه يفقد القدرة على تذكّر الأحداث، ويوجد من هذا القسم نسختان كذلك. نسخةٌ يمينيةٌ ونسخةٌ يساريةٌ..

والآن، لننتقل إلى قسم القشرة المخيّة Cerberal cortex، وهي ما يسمّيها البعض بالمادة الرمادية، وتتألف من أربعة أقسام تُسمى بالفصوص:

  • الفص الجبهي Frontal lobe، حيث يوجد الإدراك والأنا والمنطق وتقييم المخاطر.
  • الفص الجداري Parietal lobe ، وفيه يتم تحليل جميع الإشارات الخارجيّة ووضعها في أفضل سياقٍ يطابق الواقع.
  • الفص الصدغي  Temporal lobe، يتعلق بحاسة السمع.
  • الفص القفوي Occipital lobe، يرتبط بحاسة البصر، ويقع في الناحية الخلفية للدماغ.

بالاضافة إلى أقسامٍ عديدةٍ أخرى تعمل في تنسيق العمل بين الأقسام الأخرى، وتسمى بالباحات الترابطية Association areas. مثل الباحة الحسية في الفص الجداري، والباحة المحركة في الفص الجبهي، ويجدر بالذكر أنّ مركز اللغة موجودٌ في القسم الأيسر من قشرة المخ لدى 70٪ من البشر. وهناك باحتين ترابطيتين مسؤولتين عنه: باحة اسمها بروكا Broca’s area وهي المسؤولة عن النطق، وباحة ڤيرنيكه Wernicke’s area المسؤولةٌ عن فهم اللغة. واصابة إحدى هاتين الباحتين لا يؤثّر على الأخرى..».

قاطعتها بقولي: «اعذريني، فإنّني بدأت أتجاوز عدد الكلمات المتاحة لهذا المقال وأحتاج أن أختصر».

قالت: «حسنًا، لنذهب إلى قسم الأنا. أليس هذا مقصدك؟ لنذهب إلى الفصّ الجبهيّ. فهو ما يميّز الإنسان عن بقيّة الأحياء في نظرك».

وهم الأنا

إنّ القسم المسؤول عن اتخاذ القرارات وتقييم المخاطر والتفكير المنطقيّ وتحليل المعلومات هو القسم الأماميّ من الدماغ. لقد لاحظنا وجود العديد من الأقسام الدماغية التي تقوم بكافّة العمليات دون العودة لمركزٍ موحدٍ اسمه «أنا». القرار الحقيقيّ يتم اتخاذه قبل الوصول إلى مركز الأنا. فما هي الفائدة من الأنا إذًا؟

وهم الأنا مهمٌ لتوافق التضارب في المصالح بين الأقسام. جميع الأقسام تتنافس فيما بينها على ماذا يتوجّب فعله بناءًا على المحفّزات الخارجيّة. هذا يعني أنّ الدماغ يعمل ويوافق وينظّم بين هذه الاشارات إلى أن يصل إلى نتيجةٍ نهائيةٍ تكون ناتجةً عن عمليّة إثقالٍ وتمييزٍ في الأولويات. هذه النتيجة النهائيّة لابدّ وأن تبدو وكأنّها نتيجةٌ موحدةٌ في الدماغ. هذه النتيجة الموحدة تتجسّد على شكل «أنا» فعلت هذا. مثلًا: في حال سألنا شخصًا أن يختار أن يضغط على أحد زرين (أيسر وأيمن). ووضعنا خوذة رنينٍ مغناطيسيٍّ لمتابعة العمل الدماغيّ. سنكتشف الجهة التي سيختارها الشخص قبل أن يعلم هو بهذا الاختيار. كيف ذلك؟

يقوم الدماغ بكامل أقسامه بتحليل المعلومات واختيار جهةٍ ما بناءًا على عوامل عديدةٍ قد لا تكون ظاهرةً للشخص. هذه العوامل قد تتعلّق بالذاكرة أوغيرها من العوامل المتغيّرة. لكن قبل القيام بالعمل واتّخاذ القرار النهائيّ يتم إرسال إشارة إلى الفصّ الأماميّ مفادها أنك أنت قررّت اختيار الزرّ الأيمن. والفائدة من هذه الظاهرة هي التوفيق بين الصراعات بين الأقسام.

اذا سألتك أن تختار بلدًا من القارّة الإفريقية لا على التعيين، أعتقد أن نسبة اختيارك لدولة مصر أو ليبيا هي نسبةٌ عاليةٌ جدًا وهذا ليس لأنّك أنت من اخترت هذه البلدان وإنّما لأنّك قد قرأت عن مصر في بداية المقال أو سمعت عن الأحداث في ليبيا مؤخرًا. لماذا لا تختار جمهوريّة الموزنبيق مثلًا أو تنزانيا؟ ألست حرّ الأرادة؟

أنت مجموعةٌ من النظم الطبيعيّة المتجانسة التي تعمل في تناغمٍ مع بعضها البعض لتبقى جميعها على قيد الحياة ضمن نظام متكاملٍ نسميه الجسد. الدماغ هو أحد هذه الأنظمة ضمن الجسد وهو يلعب دور المايسترو في ضبط أدوار هذه النظم وتوظيفها.

الوهم الحاصل بكون الجسم منفصلٌ عن الدماغ أو أنّ النفس هي عبارةٌ عن قبطانٍ للجسد هو موضوعٌ فلسفيٌّ أكثر من كونه علميٌّ، لأنّه لا يوجد أيّ دليلٍ علميٍّ يثبت أنّ الدماغ والجسد كيانانٍ منفصلانٍ، بل على العكس هو كيانٌ واحدٌ مترابطٌ. عندما ننظر داخل الدماغ لا نجد طاقةً عائمةً تتحكم بمجريات الأمور. على العكس نجد أنظمةً منجانسةً تعمل ضمن قوانينٍ محددةٍ ومرتبطةً بقواعدٍ علميةٍ آخرى. لا نحتاج أن نقول «وحدث هذا بسبب السحر في أيّ مرحلةٍ من المراحل»

فرضية الشبح في الآلة

الشبح في الآلة يرمز لشعورنا وكأنّنا (الأنا) هي كيانٌ منفصلٌ يقود آلةً اسمها الجسد. إلا أنّ رحلتنا الدماغيّة سلّطت الضوء على كيفيّة العمل الدماغيّ ولم نجد حاجةً إلى وجود أيّ روحٍ أو كيانٍ ذو هويّةٍ محددةٍ تقود الجسد. العديد من الغدد التي تفرز الهرمونات موجودةٌ خارج الدماغ وهذا يعني أنّ العمل الدماغيّ يتجاوز الكتلة الدماغية المعروفة والنخاع الشوكيّ وهو ممتدٌ عبر الجسد. هذا يعني ايضًا أنّ أيّ تغيّر في الجسد ينعكس مباشرةً في الدماغ والعكس صحيحٌ. فالدماغ هو جهاز حاسوبٍ بايولوجيٍّ يعمل على تحليل جميع الإشارات الحسّيّة العصبيّة بطريقةٍ تمكّن الجسم من ادراك محيطه ورسم ردات فعلٍ للتعايش مع المحيط. هدف الدماغ هو استنتاج كلّ ما يحدث ضمن منظومةٍ مبنيّةٍ على معارف مسبقةٍ. لهذا نجد أنّ الخوف يأتي وينتج عن عدم القدرة على رسم تصوّرٍ واضحٍ لما يجري.

مثال يوضّح تأثّر وهم الأنا والقدرة على اتخاذ القرارات: شابٌّ متزوجٌ وشابّةٌ عازبةٌ يجلسان في البار ويشربان الكحول. بسبب الكحول تعطّل عمل القسم الأماميّ المسؤول عن تقييم المخاطر والمتعلق بوهم الأنا. قامت الشابّة بوضع يدها على كتف الشابّ المتزوّج. فجأة نسي الشابّ المتزوج أنّه متزوّج وبادر بلمس يد الفتاة وطلب أن يذهبان إلى مكانٍ آخرٍ أكثر خصوصيّةً. ماذا حدث هنا دماغيًا ومن هو المسؤول؟

الشابة:

– الشابة في المرحلة الأخيرة من دورتها الشهريّة ونسبة الأستروجين التي أفرزها مبيضاها أصبحت عاليةٌ في دورتها الدمويّة (الأستروجين هو هرمون محفّز جنسيًا).

– أثّر الكحول على القسم الأماميّ من الدماغ والمسؤول عن تقييم المخاطر واتّخاذ القرارات.

– لدى الشابة رغبةٌ جنسيّةٌ بسبب ارتفاع نسبة الهرمون الجنسيّ (الأستروجين).

– الشابة في عمر الـ 20 تبحث عن شريكٍ لتستطيع تحقيق الهدف الأساسيّ وهو التكاثر.

– الشاب سوقٌ لجيناتٍ جيدةٍ من خلال لغة جسده وتفاصيل وجهه وطريقة حديثه لهذا بادرت الشابة بإرسال إشارات الإعجاب.

الشاب:

– يشعر بالملل من حياته الجنسيّة مع زوجته بسبب خمول العلاقة لأسبابٍ عديدةٍ، هذا يعني انخفاض نسبة هرمون الدوبامين في جسمه بشكلٍ عامٍّ.

– أثّر الكحول على القسم الأماميّ من الدماغ والمسؤول عن تقييم المخاطر واتّخاذ القرارات.

– ارتفاع نسبة هرمون “الأوكسيتوسين” في الجسم نتيجة لمس الفتاة لكتف الشابّ (أفرزته الغدّة النخاميّة Pituitary gland).

– إفراز بعض الدوبامين كنتيجةٍ لإفراز الأوكسيتوسين.

– تحفيز الرغبة الجنسيّة نتيجة ارتفاع الأوكسيتوسين والذي ربط النشوة الجنسيّة مع قسم المكافأة.

– تحفيز قسم المكافأة بسبب ارتفاع نسبة الدوبامين دون رادعٍ من قسم تقييم المخاطر واتخاذ القرارات بسبب الكحول.

التحليل:
تعلم الفتاة أنّ عليها البحث عن شريكٍ يقوم بتربية أطفالها وأنّ الشابّ ليس مناسبًا لأنه متزوجٌ إلا أنّ الكحول منع القشرة الأمامية للفص الجبهي من تقييم الموقف واتّخاذ القرار الصائب بعدم التفاعل مع الشابّ. هرموناتها الأنثويّة وغريزتها الجنسيّة وضبابيّة القدرة على اتخاذ القرارات جعلتها تبادر الشابّ عبر لمس كتفه.

أما الشاب، فلديه ثلاثة أطفالٍ من زوجته، وحياته الجنسيّة تفتقر للمتعة بسبب ضغوط الحياة. إلا أنّه غريزيًا مازال مهتمٌ بنشر جيناته مع شركاءٍ أخرين. في الأيام العاديّة لا يبادر الشابّ للقاء الفتيات لأنّ القسم الأماميّ من دماغه يرفض ذلك رغم الضغوط من قبل الأقسام الآخرى. حيث تعمل القشرة الأمامية للفص الجبهي على تقييم المخاطر (حذف). مخاطرٌ مثل الطلاق وخسارة حضانة أطفاله والخوف من المجازفة في علاقةٍ غير مضمونة النتائج هي ما يمنعه عادةً من الخوض في هكذا مغامرات ، إلّا أنّ الكحول أوقف عمل الفص الجبهي اليوم وأطلق العنان لبقيّة الأقسام كي تسرح وتمرح. وفي نفس الوقت، مازال القسم الزاحف من الدماغ ينظّم دقّات القلب ودرجة حرارة الجسم، لكن تأثير الكحول جعل من مهمّته أصعب اليوم.. هل تذكر عندما قال لنا أنهم في قسم الجذع لا يهتمّون لما يجري في الأعلى ويستمرّون في العمل؟

تجربةٌ تثبت أقسام الدماغ:

في السبعينيات من القرن الماضي، خضع ثلاثة مرضى كانوا يلتمسون الشفاء من داء الصرع لجراحة استهدفت قَطْع الجسم الثفني Corpus Callosum، لا يهمنا الدخول بالحالة المرضيّة التي تؤدي إلى هذا العلاج، لكن لنلاحظ ماذا يحدث حين يتضرر الجسم الثفني وينقطع تبادل المعلومات بين نصفي الكرة المخيّة الأيمن والأيسر، وتسمى هذه الحالة بالدماغ المشقوق Split-brain.

هناك مريضٌ مصاب بحالة دماغ مشقوق، أي أن المعلومات الموجودة في نصف الكرة المخيّة الأيمن لا تذهب إلى الأيسر، والعكس صحيح، نغطي العين اليمنى بغطاء، (هذا يعني أنّ الشخص يستخدم فقط العين اليسرى والقسم الأيمن من الدماغ في الرؤية)، ثم نضع صورة سيارةٍ أمام المريض، ونسأل المريض عن الصورة، ماذا وضعنا أمامك؟ فيجيب بأنه لم يرَ شيئًا!
هو طبعًا يعلم أنه شاهد صورة سيارةٍ لكنه غير قادرٍ على اخبارنا بذلك. لماذا؟ لأنّ نصف الكرة المخيّة الأيمن رأى السيّارة بالفعل، لكنّه غير قادرٍ على إعلام القسم الأيسر بما رأى بسبب فصل القسمين عن بعضهما. وبما أنّ خاصيّة النطق موجودةٌ في القسم الأيسر الذي لا يعلم عن السيارة، فالمريض يجيب بجوابٍ لا علاقة له بالسيارة.

عندما نطلب من المريض أن يرسم ما رأى في الصورة، فإنه يرسم صورة سيارةٍ بالفعل، لكن بيده اليسرى حصريًا لأنها موصولةٌ مع نصف الكرة المخيّة الأيمن الذي شاهد صورة السيارة.

تجربة أخرى:

نضع أمام المريض صورةً فيها:
– مخلب دجاجةٍ (ينظر إليها من خلال العين اليسرى أي القسم الأيمن من الدماغ).

– منظرٌ طبيعيٌّ فيه ثلوجٌ كثيفةٌ (ينظر إليها من خلال العين اليمنى المتصلة بنصف الكرة المخيّة الأيسر).

ثم نسأل المريض أن يختار شيئًا يراه في الصورة من عدة أشياءٍ موجودةٍ أمامه. وله حرية استخدام يديه الإثنتين. ينظر المريض لمجموعةٍ كبيرةٍ من الخيارات وثم…

يختار المريض بيده اليسرى صورة دجاجةٍ (لأنّ نصف الكرة المخيّة الأيمن هو الذي شاهد الدجاجة).

ويختار بيده اليمنى مجرفة الثلج (لأنّ نصف الكرة المخيّة الأيسر هو الذي شاهد صورة الثلوج).

 نسأل المريض لماذا اخترت هذه الاشياء؟
يقول: «اخترت صورة الدجاجة لأنّني رأيت صورة مخلب الدجاجة في الصورة (لأن النصف المخي الأيسر فقط هو الذي يحتفظ بالقدرة على الكلام)، ولكن لمّا كان هذا النصف لا يعرف لماذا يفعلُ النصفُ المخي الأيمن ما يفعله، فإنه (أي النصف المخي الأيسر) أنشأ قصةً عمّا يستطيع مشاهدته (أي قدم الدجاجة)، فقال إنه اختار المجرفة لأنّنا نحتاجها لتنظيف فضلات الدجاج!» (ابتكر سببًا منطقيًّا لتبرير خياره).

التبرير الأول صحيحٌ لأنّ المريض فعلًا شاهد صورة الدجاجة واستطاع التعبير لغويًّا عن هذه التجربة لأن القسم الذي شاهد الدجاجة هو نفسه المسؤول عن النطق (القسم الأيسر). هذا منطقيٌّ لكن لماذا برّر اختيار المجرفة لسببٍ لا علاقة له بالصور؟ (تنظيف الفضلات) هذا لأنّ اختيار المجرفة حدث في الشق الأيمن الغير قادرٍ على التواصل مع مركز النطق. وبهذا، لا يعلم القسم الأيسر بأنّ القسم الأيمن قد رأى صورةً للثلوج وعليه تبرير اختيار المجرفة، فيشكّل قالبًا منطقيًّا جديدًا وهو أنّ المجرفة ضروريةٌ لتنظيف فضلات الدجاج. مع العلم أنّ القسم الأيمن مازال يعلم أنّه رأى المجرفة في الصورة، لكنّه غير قادرٍ على التعبير. يبتكر الدماغ أوهامًا في سبيل رسم أفضل قالبٍ يوصف الواقع والمحيط. ابتكار هذا النوع من الأوهام يحدث طوال الوقت دون أن تشعر. لأنّ الأنا موجودٌ أصلًا لتبرير الافعال التي نقوم بها وليس للقيام بالأفعال فعلًا. يوجد من يقرّر عنّا ذلك كما شرحت سابقًا. في حال طلبنا من المريض رسم ما رأى فإنّه سيرسم المجرفة ولن يتطرق للدجاجة لانّ القسم الأيسر غير قادرٍ على اخبار القسم الأيمن (المسؤول عن الرسم) عن ما شاهده في الصورة.

من هنا أريد الانتقال لمفهوم الادراك والوعي ..

الدماغ هو مجموعةٌ من الأنظمة التي تعمل بشكل متناغم على ادراة الجسد. حيث تحدث العمليّات الدماغيّة خلف الكواليس خارج ادراك الكائن. الإدراك هو آخر مرحلةٍ من المراحل الدماغيّة إذ على الدماغ تحليل ما يجري ووضعه ضمن سياقٍ منطقيٍّ يفسّر البيئة المؤثّرة به. العمل الدماغيّ لا يتجزّأ عن حالة الجسد الكلّيّة إذ أنّ الدماغ وظيفته الأساسيّة هي ضبط وظائف الجسد. دون الجسد يصبح الدماغ مثل قائد أوركسيترا يقف وحيدًا دون فريقٍ العازفين ودون النوتات الموسيقيّة يحرّك يديّه دون جدوى. عمليّة اتّخاذ القرار تحدث في الدماغ وكأنّنا نجلس خلف العيون ونقود الجسد. إلّا أنّنا في الحقيقة فقط ندرك القليل القليل من ما يجري من صراعاتٍ وتحليلاتٍ وحساباتٍ داخل هذا المجمّع العصبيّ الذي نسميه الدماغ. من هذه النقطة نستطيع الأجابة على السؤال الذي طرحته سابقًا حول الأفكار ولماذا أشعر وكأنّ نقاشًا يدور في رأسي وفيه أكثر من جهةٍ متحاورةٍ؟ هذه النقاشات هي بالفعل بين أقسام الدماغ لكنّك لا تدرك إلا جزءًا بسيطًا منها. أنت تدرك فقط الجزء المهمّ تحليله لتبقى الأمور منطقيّةٌ ولكي تشعر أنّك أنت من يتحكم بكلّ شيءٍ.

الإرادة الحرّة والروح

موضوع الإرادة الحرّة هو موضوعٌ شائك بعض الشيء لأنّ جميعنا يعتقد أنّه مسيطرٌ على إرادته وأنّه صاحب أفكاره وأنّه قبطان أفعاله، لكنّ علوم الأعصاب والدماغ تبيّن لنا بشكلٍ واضحٍ وجليٍّ أنّنا لسنا مسيطرين على إرادتنا. نعم نحن مدركين لما نريد ولكننا لسنا من يقود هذه الإرادة. فأنت تعتبر أنّ دماغك هو بمثابة هاتفك الجوّال، تستخدمه في تنفيذ بعض المهامّ هنا وهناك، لكن في الواقع أنت دماغك. أنت لا تستخدم دماغك وإنّما أنت هذا الدماغ. أنت الدماغ والجسد وكلّ ما يجري من عملياتٍ حسابيّةٍ وبايولوجيّةٍ في هذا الجسم. تعتقد أنّك شبحٌ يقود الدماغ ويأمره ما يتوجّب فعله لكنك في الواقع عبارةٌ عن آخر مرحلةٍ من مراحل العمل الدماغيّ وتتجسّد على شكل الإرادة والأنا. مثالٌ آخرٌ عن اختفاء الأنا عند النوم والدخول في عالم الأحلام. هل تشعر حينئذٍ بأنّ شعور الأنا واضحٌ بالنسبة لك؟ أم أنّك ترى الاحداث من عدة مناظيرٍ وزوايا؟ أنت لا تحتاج وهم الأنا وأنت نائم لأنّ قسم المنطق مقفلٌ أصلًا ولا تحتاج لتبرير من يتّخذ القرارات.

الحياة

نجد أنفسنا أمام لغزٍ علميٍّ وفكريٍّ مهمٍ وهو لغز الحياة. كيف تبدأ الحياة وكيف تنتهي وما هو محرّكها؟

سأستخدم أسلوبين في تفسير الظواهر. اسلوبٌ غريزيٌّ انسانيٌّ منطقيٌّ وأسلوبٌ علميٌّ مبنيٌّ على دلائلٍ وبراهينٍ. سوف أُسقط كل محورٍ ضمن هذين المنظورين لكي نميّز الفرق في تفسير هذه الظواهر وتوضيح الفروق في التوصيف. التمييز بين الطريقتين مهمٌ جدًا في فهم ماهيّة الروح.

الحياة من منظور علميٍّ ثم من منظور المنطق البشريّ

عمر الحياة 4.6 مليار سنةٍ، بدأت على كوكب الأرض على شكل كائنات وحيدة الخليّة وتطوّرت هذه الخلايا إلى كائناتٍ متعدّدة الخلايا ومنها إلى عائلة الثدييات مرورًا بالعديد من الأصناف وصولًا للجنس البشريّ الحاليّ. هذا توصيفٌ مختصرٌ جدًا للحياة. أمّا التوصيف العلمي للتنوّع الحيويّ، فهو يجيب على جميع الأسئلة المتعلّقة بعادات وتصرّفات الكائنات وأسباب توزّعها على كوكب الأرض واستراتيجياتها المتّبعة بهدف البقاء، ونسمي هذا التوصيف بنظريّة التطوّر، ولهذه النظريّة تطبيقاتٌ علميّةٌ عديدةٌ، فهي أساس العلوم الطبيّة والحيويّة. ولنتذكر بأنّ نظريّة التطوّر تفسّر التنوع الحيويّ، لكنّها لا توصف بداية الحياة وطبيعتها.

الحياة عبارةٌ عن أنظمةٍ عضويّةٍ تعمل على استقدام الطاقة من محيطها واستقلابها بهدف أن تنسخ نفسها وتستمر عبر الأجيال، هذه الأنظمة محكومةٌ بقوانينٍ فيزيائيّةٍ وبايولوجيّةٍ محددةٍ تحكم آلياتٌ عملها وأيّ خللٍ في هذه الآليات يؤثّر على هذا النظام الحيويّ وفي فعّاليّته على أداء وظائفه. في بعض الأحيان قد يكون الخلل كبيرًا لدرجة أن يبدأ هذا النظام بالانهيار حتى يفقد انسجامه وتخرج وظائفه عن الخدمة. في هذه المرحلة يفقد هذا النظام الحيويّ مقوّماته التي تجعله نظامًا موحدًا وتبدأ عناصره بالتحلّل وإعادة التدوير في الطبيعة ضمن أنظمةٍ أخرى بعضها حيويّ والبعض الآخر يكون ضمن أحد مفاصل النظام البيئيّ. من أهمِّ شروط التوازن في الأنظمة الحيّة أنّها عندما تتعرض لخلّلٍ ما يخرجها عن الخدمة، هي غير قادرةٍ للعودة كما كانت. الخروج عن الخدمة يعني اندثار ذاك النظام إلى الأبد وتحلّل عناصره لتصبح جزءًا من أنظمةٍ جديدةٍ. إذًا، العناصر الأساسيّة التي تشكّل الجسد لا تموت وهي أصلًا ليست حيّةٌ. اللبن الأساسيّة من ذرّات كربونٍ وهيدروجين وغيرها من العناصر تشكّل مركبّاتٍ عضويّةٍ وهذه المركّبات تشكّل أنظمةً حيويّةً تعمل ضمن آلياتٍ محدّدةٍ في سبيل نسخ نفسها عبر الأجيال. طبعًا الموضوع أعقد من ذلك لكني أبسّط الفكرة الأساسيّة والتي تتمحور حول أنّ الحياة ليست محورٌ بعيدٌ عن الفحص العلميّ ولكنّها أيضًا ليست عمليّة سهلةً التوصيف من ناحيّة التواصل وخصوصًا للشخص الغير ملمٍّ بقواعد الكيمياء الحيويّة وغيرها من العلوم. المغزى أنّ الحياة تعتبر من أعقد المعضلات العلميّة التي يتم العمل على تحليلها وجهلنا ببعض محاورها ليس دعوةً للأخرين أن يقدّموا تصوّراتٍ لامنطقيّةٍ وغير علميّةٍ. نستطيع أيضًا وضع فرضيّاتٍ خياليةٍ دون عناء البحث ولكنّ هذا ما يميّز البحث العلميّ. لا فرضيةٌ دون دليلٍ وبرهانٍ.

الحياة من منظورٍ خلقيٍّ

الإنسان هو أفضل المخلوقات وقد خلقه الله لكي يخلفه على هذا الكوكب وسخّر له الكائنات الحيّة لكي يصطادها ويستفيد منها. غاية الحياة هي شكر الله على نعمة الحياة. بدأت الحياة حينما نفخ الله على الطين فكانت نفخةً جعل بها أول الخلق آدم. ثم خلق من ضلع آدم حواء، وبعث هذه الروح لتسكن الجسد وتستخدمه لفترةٍ قصيرةٍ تجول الكوكب ثم تعود حيث بدأت، تعود إلى مكانٍ شبيهٍ بالأرض لكن أجمل. فيه أنهارٌ وأشجارٌ وكل ما يتمناه ويفتقده الإنسان على الأرض.. كم هو سهلٌ توصيف الأمور بهذه الطريقة وبعيدًا عن التعقيد.

الروح

لا نستطيع لوم الإنسان على هذا الوهم لأنّ افتراض الروح هو افتراضٌ منطقيٌّ يفسّر العديد من الأسئلة الصعبة. أنا بدأت بمحاولةٍ متواضعةٍ بتفسير الحياة من الناحية العلميّة ومن منظور المنطق العلميّ. من الواضح أنّ التوصيف العلميّ هو ليس سهل الفهم ولن يتقبّله الإنسان الغير ملمٍّ في علوم الأحياء. بينما أن نقول أنّ الله نفخ من روحه على الطين فهذا ينهي النقاش ونستطيع متابعة حياتنا دون عناءٍ. يسأل الكثير من الأصدقاء ماذا يحدث وأين نذهب بعد الموت؟ هل تؤمن بوجود الروح وما هو توصيفك لها؟ في الواقع تعقيد موضوع الروح ليس ناتجٌ عن تعقيد ماهيّة الروح وإنّما بسبب حساسيّة الموضوع ووجود كمٍ هائلٍ من المعلومات المضللة من العلوم الزائفة والادعاءات والعقائد الدينيّة المتنوعة المبنيّة على فرضيّة الروح، كما لاحظنا أنّنا لا نحتاج لعنصر الروح في تفسير أيةٍ من الخصائص الدماغيّة، إذ لا وجود للروح فيها.

المنطق البشري والحياة والموت

أكثر الأخطاء شيوعًا في النقاشات العلميّة هو استخدام المنطق البشريّ كمرجعيّةٍ معرفيّةٍ في فهم أيّ حالةٍ مهما كانت بسيطةً. فالإنسان كائنٌ حيٌّ استطاع البقاء عبر ملايين السنين عن طريق رسم استراتجياتٍ بقائيّةٍ تتماشى مع حاجته البيئية. هذا يعني أنّ آليات الفهم البشريّ من الناحية الغريزيّة ليست بالضرورة أفضل وسيلةٍ لفهم المحيط على حقيقته الدقيقة، لكنها الأفضل في بقائه على قيد الحياة. الإنسان يعلم كيف يقيّم المخاطر وكيف يغتنم الفرص وكيف يكشف الخداع وكيف يحمي موارده، لكنّه ليس معنيٌّ بفهم آليات عمل الذرة أوعمل الجهاز العصبيّ.

لا ينظر الإنسان إلى الشمس ويقول: «من الواضح أنّ الإندماج الذريّ لذرات الهيدروجين هو مصدر أشعة الشمس!». فالمنطق البشريّ غير معنيٍّ بهذا التوصيف. كما لا ينظر الإنسان إلى القمر ويقول: «هو كرويٌّ لأنّ الجاذبية تضغط جميع العناصر نحو المركز!»، المنطق البشري غير معنيٍّ بهذه المعلومة، فالمهمّ أنه مضيءٌ في الليل ويغيّر أشكاله. ولا ينظر الإنسان إلى الحيوانات ويقول: «نعم، جميع الأحياء أتت من خليةٍ واحدةٍ وتطوّرت بناءًا على الضغوط البيئية عليها وجميعها يشترك على الأقلِّ بـ 25% من حمضها النوويّ!»، بل يقول الإنسان: «هذه المخلوقات منها المفيد ومنها الضّار، لكن المهمّ أن أبقى أنا على قيد الحياة!». أما في حال وجد الإنسان نفسه محاطًا بقطيعٍ من الأسود، فلن يستفسر عن التركيب الجيني والنوي للأسود، وكيف تعمل خلاياها! وإنّما سيتعامل معها من منظور تقييم الأخطار. فيتساءل: «ما أثر هذه الأسود على  حياتي؟». إن كانت النتيجة سلبيّةً فسيبتكر استراتجياتٍ لتفادي الخطر. وإذا شعر الإنسان بهزةٍ أرضيّةٍ، فلا يعنيه فهم نظريّة الإنجراف القاريّ والعمليّات المؤثرة بقشور الأرض ونتائجها من زلازل وبراكين. وانما يعلم أنّ الزلزال والبراكين هي ظواهرٌ خطرةٌ يتوجّب الإحتماء منها وهذا هو المهم. فالمنطق البشريّ ليس مناسبًا لفهم تفاصيل الأمور وإنما لتوظيف الظواهر المحيطة به بما يساهم في بقائه واستمراره عبر الأجيال. الإنسان مهتمٌ بتوصيف وتصنيف الأشياء وثم ربط هذه الأشياء مع وظائفٍ وغاياتٍ معينةٍ تخدمه. هذه النقطة مهمةٌ جدًا في بحثنا إذ أنها ستشرح لنا العديد من المفاهيم التي تساهم بالاعتقاد بوجود الروح والحياة بعد الموت. نحن نصرف طاقةً ذهنيّةً في فهم كل شيءٍ وبحكم وجودنا وتطوّرنا ضمن بيئةٍ تنافسيّةٍ على الموارد فإنّ الكائنات القادرة على الوصول للاستنتاج الأفضل للبقاء بأقلّ استثمارٍ للموارد الذهنيّة هو الكائن الذي سيستطيع البقاء بغضّ النظر عن الدقة التوصيفية لما يرصده.

الملخص

إنّ الاعتقاد بوجود الروح والأنا اعتقادٌ مبررٌ لكنّه خاطئٌ. أنت لست طاقةً أوغيمةً تحوم في الأجواء ولست قبطانًا للجسد تقوده كما تقود الدرّاجة. أنت جسدك وأنت عقلك وأنت جزءٌ لا يتجزء من هذه الأقسام. إذا شرّحنا دماغ أيّ كائنٍ حيٍّ غير الإنسان سنجد بعض الخصائص الشبيهة بالإنسان. هذه الخصائص تفسر نفس المشاعر التي يشعر بها الإنسان. جميع الكائنات تشعر بالخوف والجوع والعطش والحبّ والتعب لكن بنسبٍ متفاوتةٍ. لكن بشكلٍ عامٍّ هذه المشاعر هي مشاعرٌ عالميّةٌ بين الأحياء إذ أنّها أساسيّة في البقاء. فالإنسان إذًا ليس مختلفًا عن بقيّة الأحياء، وهذه الحقائق أصبحت مثبتةٌ تجريبيًا. نعم، نسبة الذكاء الانسانيّ مختلفةٌ عن نسبة الذكاء لدى الدلفين أو الفيل أو الغراب إلا أنّ لكلّ كائنٍ حاجاتٍ مختلفةٍ ضمن بيئته. الدلفين مثلًا يعتبر الإنسان متخلفٌ جدًا من حيث القدرة على السباحة والغراب يعتبر الإنسان بدأئيٌّ جدًا من حيث القدرة على الطيران. ففكرة الروح وتمييز الإنسان عن بقيّة الأحياء هي فكرةٌ ناتجةٌ عن أنانيّة الإنسان وحاجته إلى البقاء.

تساعدنا العلوم اليوم على فهم طبيعتنا وتقرّبنا أكثر من أقربائنا الأحياء. في هذا المقال لم أذكر العديد من النقاط الأخرى المتعلقة بموضوع كيف يميّز الإنسان نفسه. فالانسان ليس الكائن الوحيد الذي يميّز نفسه. يوجد عند العديد من الكائنات هذه الخاصيّة والتي تعني أنّ هي أيضًا لديها وهم الأنا وربما وهم الروح أيضًا. فمثلًا الفيل يحزن على فراق أفراد عائلته ويقوم بطقوسٍ شبيهةٍ بالجنائز عند الإنسان. ربما يعتقد الفيل أنّ قريبه لا يزال يحوم في الأجواء.

إنّ وجودنا اليوم على قيد الحياة هو نتيجة العديد من العوامل والظروف، لذلك خذ خطوةً إلى الوراء وانظر من حولك الى عظمة هذا الكون وعلى فرصة الحياة. لا تصدّق الأوهام والقصص، بل ابحث وتعلّم لتعرف من أين أتينا حقًا، وإلى أين نودّ أن نذهب.. نعم، لا حياة بعد الموت لكن، لا موت مع الحياة أيضًا، وهذا يعني أنّ الموت لا يعنيك، لأنّ وهمك بالأنا هو وهمٌ مربوطٌ بالحياة فقط!

تدقيق لغوي: السيد غيث جابري

المصادر:

  1. Aguirre Lauren S.-Mapping the Brain, NOVA Science now, Posted 10 April 2012, Retrieved 2/15/15.
  2. Wolman David “The split brain: A tale of two halves”. Nature. International weekly journal of science. Posted 14 March 2012، retrieved on 2/15/15.
  3. Pinker Steven. How the mind works, Norton, W. W. & Company, Inc, 1/28/1999.
  4. Kaku Michio. The Future of the mind Doubleday February 25, 2014.
  5. Prof. Stephen P. Hinshaw Ph.D. – Origins of the Human Mind; The Great Courses, Course No. 1663.
  6. Prof. David W. Martin Ph.D. – Psychology of Human Behavior; The Great Courses, Course No. 1620.

 

مصطفى عابدين

مؤسس ومدير محتوى موقع علومي. باحث مهتم بالعلوم، أسعى من خلال هذا الموقع إلى المساهمة في إثراء المحتوى العلميّ العربيّ على الإنترنت بمقالات أصليّة مبسّطة، تزوّد القارئ غير المختصّ بالأساس العلميّ الذي يحتاجه لمتابعة آخر المستجدّات والأخبار العلميّة، بعيداً عن الترجمة التي في بعض الأحيان تُفقِد المحتوى العلميّ مضمونه.

44 تعليق

انقر هنا لتضع تعليق

تعليق

  • بغض النظر عن تمرير ضمن المقال أشياء متعمدة و مغلوطة،فهو مقال علمي رائع وشيق…….شكرا.
    فقط أردت أن أنبهك بخطأ في المنشور والذي يبدوا متناقضا بعض الشيء، لكن هو في الحقيقة علی ما أعتقد تغيير أماكن بعض الكلمات:
    1) نضع أمام المريض صورةً فيها:
    – مخلب دجاجةٍ (ينظر إليها من خلال العين اليسرى أي القسم الأيمن من الدماغ).

    – منظرٌ طبيعيٌّ فيه ثلوجٌ كثيفةٌ (ينظر إليها من خلال العين اليمنى المتصلة بنصف الكرة المخيّة الأيسر).
    ##################
    2) نسأل المريض لماذا اخترت هذه الاشياء؟
    يقول: «اخترت صورة الدجاجة لأنّني رأيت صورة مخلب الدجاجة في الصورة (لأن النصف المخي الأيسر فقط هو الذي يحتفظ بالقدرة على الكلام)، ولكن لمّا كان هذا النصف لا يعرف لماذا يفعلُ النصفُ المخي الأيمن ما يفعله، فإنه (أي النصف المخي الأيسر) أنشأ قصةً عمّا يستطيع مشاهدته (أي قدم الدجاجة)، فقال إنه اختار المجرفة لأنّنا نحتاجها لتنظيف فضلات الدجاج!» (ابتكر سببًا منطقيًّا لتبرير خياره).
    ##########
    بين 1) و 2) يوجد تناقض نصي.
    هذا من باب ما فهمته أنا، وقد أكون مخطئا.

  • مقال لا يمكن وصفه في تعليق لكن أتمنى ومن كل قلبي اذا امكنك ان تعمل محاضرات مسجلة فسوف اكون من اول متابعينك وشكراً لك على هذا المجهود الرائع

  • مرحبا أ.مصطفى أنا اسمي عمر .. أسكن في الشام .. بعد قرائتي للمقال (وفق ظروف معينة وعوامل وأسباب) وردت في دماغي الصغير نسبيا فكرة .. و تبلورت و أصبحت مطلبا وحتى هدفا .. وهي أن ألتقي بك لكي أسألك بعض الأسئلة و أستخلص بعضا من أفكارك التي أحتاجها لكي أبلغ هدفي وأحققه ! .. في الوقت الحالي أنا أدرس لامتحان الشهادة الثانوية العلمية .. فإن وافقت على مطلبي.. أرجو أن تمهلني بعضا من الوقت كي نلتقي ..

    ولك جزيل الشكر ..

  • أحضر شاب يتمتع بصحة جيده ووظائف حيوية سليمة و أمنع عنه الأكسجين و بعد موته حاول أن تحيه، أن لم تنجح فلا تحاول أن تدرج الروح فى إطار علمك، أستطيع أن أجادلك أنك كونك تجهل ماهية الروح يجعلك أيضا تسلك أسهل الطرق و تنكرها لغلق النقاش فيها

    • طرحك يدل على عدم اطلاعك على أبسط القواعد الحيوية. عندما نقوم بقطع الأوكسجين عن الخلايا فنحن نقوم باضرار عملية استقلاب الطاقة على المستوى الخليوي و هذه العملية غير قابلة للعودة إلى الوراء. ليس لأن كيان سحري خرج من الجسد و إنما لأن عملية استقلاب الطاقة تتوقف و لا يمكن إعادة تشغيلها إلى عن طريق بناء نظام حيوي جديد.

  • رائع ا.مضطفى
    بجد المقال اسلوب علمي وادبي مشوق وجميل وعميق ووجبة خفيفة ويمكن هضمها
    اﻻ انك فعلت نقيض الاعجازوين مدعو اﻻعجاز العلمي للقران
    فهم يبداون بدايات علمية صحيحة ثم يلوون عنق اﻻيات ليثبتون العﻻقة الوثيقة بين مقدماتهم العلمية واﻻية الكريمة.. وهذا خطأ فادح بالطبع وغير علمي وغير نزيه وﻻ يخدم ﻻ الدين وﻻ العلم

    وانت فعلت مثل هذا فمقالك العلمي اﻻكثر من رائع اﻻ انك ربطته بأمر ﻻ مجال للعلم وﻻ طاقة له حتى اﻻن للبحث فيه اﻻ وهو الروح والخلق والحياة ما بعد الموت
    وأربأ بفاضل موضوعي عقﻻني مثلك ان يفعل مثل هذا
    فاذا كان من حقك اﻻ تؤمن (اقصد الحق من منطلق علمي ) فليس من حقك ان تنكر ﻻنك ليس لديك اﻻدوات العلمية لنفي مثل هذه اﻻمور

    ولو تمثلت ب كارل بوبر انه سمى هذه اﻻمور بغير ذات معنى لكان خير لك وادعى لعقﻻنيتك الموضوعية الصادقة

  • استاذ مصطفى شكرا للشرح المبسط والسرد المشوق, مازالت لم افهم الرابط بين فرز الهورمونات والاحساس بشعور معين كالحب والخوف … فعندما يُفرز هرمون معين كيف يشعر الانسان بتأثير هذا الهورمون ؟ هل هي عملية كيميائية بحتة مفهومة من قبل العلماء ؟ الرجاء شرحها بشكل مبسط اذا امكن وشكراً

  • الدرونيه التى تعتنقها قد تم الرد عليها كثيرا واصبحت فى خبر كان ، بالفعل تناولك لكيفية عمل بعض الجهاز العصبى جميل ومبسط للعامه لكن ليس معنى انك قد اوتيت من العلم القليل ان تنفى وجود ما لا تعلمه ، فليس كل ما لانراه او نلمسه او نحيط به انه غير موجود ، الخلاصة : تكلم عما تعلم وبسطه ان شئت واجتهد لتعلم لكن لاتنكر على من يعلم انه يعلم ويقول بما يعلم ، وصدق الله العظيم” ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما اوتيتم من العلم الا قليلا ” .” انا متخصص فى الكيمياء والبيولوجيا ” مع تحياتى .

  • كلام جميل بصراحة واشكرك عليه فقط لبذلك جهدك فيه,لكن اهم نقطة تحدثت عنها الروح لنفرض مثلا اننا كبشر لم نعلم ماهي الروح او ماهي كلمة روح اساسا لنتعبرها ملغيه من عقولنا فقط لدقيقة واحدة,بما اننا تتطورنا في حديثنا العلمي وعرفنا الكثير لماذا لا نطبق هذه العلوم بان نجلب دماغا ونجعله يتحرك بنفس الاليه التي تحدثت عنها ولناخذ الحديث لمستوى اعلى فلنجلب قلبا وكليه وكبدا وكل اجزاء المخلوق الحي المطلوبة ليعيش,السؤال هنا هل نستطيع بأن نجعل هذا الكائن بأن يصبح مخلوقا مثلنا الان يتنفس ويمارس حياته الطبيعيه ؟

  • صاحب المقال شرح عملية التفكير والعقل بشكل جميل ولكن حاول يستغل الفكرة لاثبات عدم وجود اله أو خالق أو روح أو حياة بعد الموت
    النفس أو الروح هي شيء غير مادي ما بتقدر تنكره وما بتقدر تثبته ولو مثلناها بوعي الشخص والأنا فأنا أحب أن أؤمن بالجنة والنار والخلق والخالق
    ما عندي مشكلة مع الأحياء والتطور ولكن استخدام شيء علمي لاثبات عدم امكانية شيء عقدي وايماني

  • شكرا
    من الناحيه العلميه العمليه شرح جيد ورائع . لاكن منقوص بمعلومات يكاد العلم تجاهلها وعدم الرد عليها!
    ما هي وظيفة ال penal glanced? ! ولماذا لم تتطرق لها؟ انا اعرف من شرح علمي متى تتفاعل !لاكن ما هي وظيفتها وأهميتها في حياتنا ؟ لماذا نطرح تأكيد كما هو الحال هنا من غير أن نتطرق للوعي والا وعي! ؟ انت تدرك أن أكثر الفرضيات العلميه وأهمها من ناحية فرض و إثبات من الجانب العلمي يواجه تحديات كبيرة! كيف يمكن الجزم وإلغاء طرح آخر بديل أو مكمل!
    حسب ما طرح نحن كائن بيولوجي فقط!
    لا روح ولا خالق ولا مخلوق!

    • صحيح نحن كائن بيولوجي… و بالنسبة لموضوع الوعي يوجد مقال ضمن الموقع مفصل حول موضوع الإدراك و الوعي.

  • كلام وعرض وتبسيط رائع …
    لكن للأمانة انت تجعل القاريء يعتقد أننا نعرف كل شيء عن الدماغ والذاكرة والوعي وماهيتها …
    والحقيقة علمنا الحديث لا يعرف ماذا يحصل في دماغ سمكة !!
    نحن نفهم عمل الدماغ وآلياته …
    لكننا بالضبط لا نعرف كيف يحصل والفرق كبير بين فهم الدماغ ومعرفته والا كنا حولنا الحواسيب إلى مخلوقات واعية مدركة !!

    تشكر على الموضوع الجميل

    • يوجد مشروعين كبيرين لاعادة هندسة الدماغ البشري وصلة وصلة و عند الانتهاء من هذا المشورع سنستطيع محاكاة العمل الدماغي بشكل مفصل و فهم المزيد من الخصائص. لا تحكم على العلوم بما تعرفه اليوم فالرحلة مستمرة

  • أثمن معرفتك بكل هذه الحقائق العلمية المعاصرة وأثني مجهودك الجبار للترجمة أو للتلخيص فأنت كنز للأمة العربية خاصة وأن جميع المعارف الحديثة هي باللغة الإنجليزية 😉

  • اظن انك لا تحمل جينات عربانية لا استطيع اتصورك عربي انت روعة قرات اغلب مقالاتك ومن متاببعيك علي الفايسبوك واصل برافو

  • السيد مصطفى المحترم
    شكراً لك ولجهودك التي لا تقدر بثمن في تقديم ونشر العلوم والمعرفة الفكرية والانسانية
    طوبى لك ولأمثالك
    تحياتي وبانتظار كل ما هو جديد

  • أستاذ مصطفى … إن مدونتك كنز لا يقدر بثمن .. قد وضعت مفاتيحه بكل محبة ورحابة صدر بين الأيدي … لتفتح للناس بوابة كبيرة للمعرفة … جداً مشكور .. وأتمنى لو تطور حضرتك الأفكار وتقدم برنامج تلفزيوني بخصوص هذه المواضيع .. لأننا بأشد الحاجة في عالمنا العربي تحديداً لمثل هذا الوعي .. سلمت يداك … فادية من سوريا

  • رغم الطابع العلمي للنص، إلا أنه يحشر نفسه في موضوع لا شأن له به وهو نفي الروح، أنت نفسك قلت أن الروح مسألة فلسفية إذاً ما شأن العلم التجريبي بهذه القضية؟ وكيف أمكنك إعطاء جواب قاطع في هكذا قضية إعتماداً فقط على ما شرحته من علوم الأحياء! بالإضافة إلى أنك طرحت المعلومات بطريقة مضللة، فمن قال أن وجود الروح يتعارض مع العمليات المادية في الدماغ؟ فلا معنى لتصوير التعارض بين الطبيعة المادية للجسم البشري ووجود الروح. بالإضافة إلى أنك تقدم المعلومات عن الدماغ بطريقة توحي أن العلم فكك رموزه وبات يفهم تماماً كيف يعمل الدماغ وهذا في حدود ما أعرفه ليس دقيقاً. بإختصار لا داعي لحشر الأيديولوجيا مع العلم إن كان الهدف العلم فعلاً :))

    • شكرا . ولم يذكر penal glanced وظيفتها في حياتنا وهذا هو الهروب العلمي في شرح الأمور التي لا يستطيعون اثباتها!

  • صديقي العزيز .. طرحك العلمي رائع انا في مرحلة ثالثة طب عام ولم افهم في ٣ سنين ما فهمته في نصف ساعة من هذا المقال الجميل والمفيد جدا جدا .. اتمنى ان تستمر في هكذا مقالات علمية .. اذا في يوما ما لم تجد وقت للكتابة .. فانا مستعد لدفع مال مقابل ما تقدمه !